د. هادي عبد علي هويدي
كلية الدراسات الإسلامية/ جامعة الكوفة
يرى النحويون أنه مما جعل اسم الفاعل يعمل عمل فعله المضارع مشابهته إياه في التذكير والتأنيث، فكما تأتي التاء في بداية الفعل المضارع لتأنيث الفعل، تأتي الهاء في نهاية اسم الفاعل والمبالغة والصفة المشبهة فرقاً بين المذكر والمؤنث، فتقول: (رجل قائم وامرأة قائمة). قال المبرد: (اعلم أن علامة التأنيث تكون على لفظين، التاء التي تبدل منها في الوقف هاءً. وهي تدخل على كل نعت يجري على فعله، ولا يؤنث إلا بها، وذلك كقولك في قائم وقاعد، ومفطر وصائم وكريم وجواد ومنطلق ومقتدر، إذا أردت التأنيث قلت: قائمة، قاعدة، مفطرة، صائمة، وما لم نسمه فهذا بابه)(1).
ونفهم من كلامه أن كل الصفات المشتقة من الفعل تخضع لقاعدة التأنيث والتذكير (الفاعل والمبالغة والصفة المشبهة) فمما ورد في القرآن الكريم تأنيث ما كان على وزن (فعال) للمبالغة كما في قوله تعالى: (حمالة) في المسد، الآية:4، و(اللوامة) في سورة القيامة، الآية:2، و(نزاعة) في قوله تعالى: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى)(2).
والفرّاء يرى أن علامة التأنيث لا تلحق الصفات التي لاحظ للمذكر فيها نحو (الحائض والطامث والطالق، إذ لم يحتاجوا للتفريق بين المذكر والمؤنث)(3).
بينما يخرجها المبرد على النسب فيقول: (وأما ما كان من المذكر نعتاً لمؤنث فهو كقولك: امرأة طالق، وبكر ضامر، وامرأة متئم، إذا جاءت بتوأمين ـ وصبية مطفل، مشدن)(4).
ثم يقول فيها: (إنما جاء هذا بغير هاء لأنه ليس على فعله، فمجازه مجاز النسب، فإن سميته بشيء صرفته لأنه لا لفظ للتأنيث فيه)(5).
ومن خلال هذا العرض نجد أن الفراء يراه لا يؤنث لأنه لاحظ للمذكر فيه، أي هذه الصفات وردت هكذا للمؤنث ولا يوجد مذكر ينعت بهذه الصفات. أما المبرد فهو يرى أنه لا لفظ للتأنيث فيه لأنها جاءت للدلالة على النسب ولم تجر على أفعالها. وفي الرد على الرأيين ورود الألفاظ للمذكر والمؤنث بلفظ واحد فقد ورد (غلام بالغ وجارية بالغ وعانس للاثنين أيضاً) ومما يستشهد به مما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (أمسك عليك زوجك)(6) وقوله أيضاً: (اسكن أنت وزوجك الجنة)(7) فقد ورد هذا اللفظ في كلام الله العزيز للمذكر والمؤنث دون اقترانه بعلامة التأنيث. ونظيره وصف المذكر بصفات لحقتها علامة التأنيث كقولهم: (رجل ربعة، وغلام يفعة، وعلامّة ونسّابة وراوية)(8) فإن جرى الوصف على الفعل طابقه في التذكير والتأنيث كقولك (أشدنت الصبية وأتلت فهي متلية وطلقت المرأة فهي طالقة)(9) ومنه قوله تعالى: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت)(10). فقد جاء اسم الفاعل في الآية القرآنية على الفعل بدليل قوله: (أرضعت)(11).
يؤيد قول المبرد ما ورد في التكملة (فأما الصفات التي تجرى على المؤنث بغير هاء نحو طالق وحائض وقاعد لليائسة من الولد ومرضع وعاصف في وصف الريح، فما جاء من ذلك بالتاء نحو طالقة وحائضة وعاصفة ومرضعة فإنما ذلك لجريه على الفعل ومنه قوله تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة))(12).
والأدلة التي سبقت فيما مر تؤكد أن اسم الفاعل والصفات المشبههة تشابه الفعل في التذكير والتأنيث وتجرى عليه وإذا لم تجر عليه فإن لها دلالات أخر.
وأما ما كان على (فعيل) فإنه يجرى على ضربين، أحدهما أن يأتي بمعنى (فاعل) لقدير وسميع وعليم بمعنى (قادر، وسامع وعالم، والثاني أن يأتي بمعنى مفعول (كقتيل وجريح وخضيب وكحيل ودهين بمعنى (مقتول ومجروج ومخضوب ومكحول ومدهون) وكلمه بمعنى (مفعول).
فإذا أتى بمعنى (فاعل) فقياسه أن يجري على فعله في إلحاق التاء مع المؤنث دون المذكر كقولك (جميل وجميلة، وشريف وشريفة ومليح وصبيح، مليحة وصبيحة) ونحوه.
الثاني: إذا جاء بمعنى (مفعول) فأما أن يصحب الموصوف (كرجل قتيل وامرأة قتيل) أو يفرد عنه، فإن صحب الموصوف استوى فيه المذكر والمؤنث (كرجل قتيل وامرأة قتيل) وإن لم يصحب الموصوف فإنه يؤنث إذا جرى على المؤنث نحو (قتيلة بني فلان) ومنه قوله تعالى : (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير… والنطيحة)(13). هذا حكم (فعيل) وأما فعول فهو قريب منه لفظاً ومعنى فإنهما متشابهان في الوزن والدلالة على المبالغة وورودهما بمعنى (فاعل) و(مفعول)(14) واستغني بـ(فعيل) عن (فاعل) في المضاعف مثل جليل وعزيز وذليل لخفته وكراهية ثقل التضعيف إذ قالوا: ذالل وعازز وجالل فأتوا بـ(فعيل) مفصولاً فيه بين المثلين بالياء الساكنة ولم يأتوا بـ(فعول) لأن (فعيلاً) أخف منه.
وبناء (فعيل) مطرد في (فعل) كشريف وظريف وجميل ونبيل وفي هذا يختلف النحويون فمنهم لا يعدونه لأنه جعلوه من باب الصفة المشبهة لأنه مصوغ من اللازم(15). وتلحق هذه الصفات تاء التأنيث فرقاً بينها وبين المذكر لأنها بمعنى (فاعل) الذي يجري على فعله، يقول أبو علي الفارسي: (إذا كان التأنيث حقيقياً لزمت فعله هذه العلامة (التاء) ولم تحذف وذلك نحو (قامت المرأة وسارت الناقة) وإذا كان التأنيث غير حقيقي جاز أن تحذف، فمما جاز فيه الأمران قوله تعالى: (فأخذتهم الصيحة مشرقين)(16) وفي الأخرى قوله تعالى: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة)(17) وقوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء)(19).
نفهم من ذلك ما يأتي:
1ـ التأنيث والتذكير أصل الفعل وإنما تؤنث وتذكر الصفات جرياً على تأنيث وتذكير الفعل لشبهها به.
2ـ المطابقة للفعل الأصل في صيغة (اسم الفاعل) وهو الذي يشابه الفعل في حركاته وسكناته وتذكيره وتأنيثه، وإنما تنسحب المشابهة لسائر الصفات لشبهها باسم الفاعل كما يحصل في أوزان المبالغة والصفات المشبهة.
3ـ تخضع هذه الصفات في التذكير والتأنيث لقاعدة الفعل في ضوء تذكيره وتأنيثه مع المؤنث الحقيقي واللفظي، كما لحُِظ في الأمثلة.
لقد أسهم بعض الدارسين المعاصرين من المستشرقين والمهتمين بالدراسات السامية في تفسير هذه الظاهرة في اللغة العربية، فالمستشرق برحشتراشر يقول: (وأسماء الفاعل والمفعول بسيطة في العربية، فـ(فاعل) هي أصلية سامية و(مفعول) أصلها (فعول) زيدت فيها الميم الكثيرة الاستعمال في هذه الأسماء فصارت مفعولاً. وإن صيغة (فعول) موجودة في العربية في معنى المجهول فاعله نحو (رسول) بمعنى (المرسل) وهي اسم المفعول في العبرية مثل (قبور) معنى (مقبور) وينوب عنها في الآرامية (فعيل) بمعنى (قتيل) أي (مقتول)، وذلك من تبادل الضمة والكسرة الممدوتين، والميم في سائر أسماء الفاعل والمفعول سامية الأصل)(20).
ونترك التعليق قبل أن نتعرض لرأي باحث آخر في هذا المجال حيث يقول ما يقضى أن اسم المفعول الذي تدل عليه صيغة (فعول) ومثاله في العربية (رسول وحلوبة وركوب) ثم أجرت العربية بمضي الزمن أن الصيغة في حاجة إلى تأكيد إبقاء عليها ومحافظة على قوتها المعبرة، فأضافوا الميم إليها فأصبحت (مفعول)(21).
إن الذي أشار إليه الباحث الأول من وجود صيغة (فاعل) ودلالتها على الفعل والقائم به لا تحتاج إلى نقاش، كما أن وجود صيغة ـ فعول ـ في اللغات السامية التي أشار إليها الباحث ـ في دلالتها على المجهور فاعله (اسم المفعول) ومثله في اللغة العربية موجود وكثير جداً. إلا أن وجودها في اللغة العربية لم يكن مطرداً بهذا المعنى وأمثلته كثيرة في القرآن، قوله تعالى: (والله رؤوف بالعباد)(22) و(والله غفور رحيم)(23) و(فإن الله غفور رحيم)(24) دلت على مجيئة اسم فاعل معنى (رائف وغافر) وليس بمعنى (مرؤوف ومغفور كالتي وردت في قوله تعالى: (… وسيداً وحصوراً ونبياً)(25) فقد جاءت بمعنى (محصور) اسم مفعول. فالقاعدة التي أشار إليها الباحث عبد المجيد عابدين كما أشرنا لم تطرد في (فعول).
من جهة أخرى قد تأتي (فعول) في اللغة كما وردت (حلوبة وركوب) التي أشار إليها وقد تفسر بالمفعولية ولكن ليس المراد منها الدلالة على المفعولية في السياق بقدر ما أريد لها الدلالة على الكثرة والمبالغة إذ المقصود بالحلوب والركوب كثرة الحلب وكثرة الركوب والمبالغة فيه فهي صفات دالة على المبالغة على وزن (فعول) وهذا الوزن نحول من اسم الفاعل إلى المبالغة للدلالة على الكثرة. فتحمل على اتصاف الفعل بها على سبيل الكرة والمبالغة أكثر من وقوعه عليها. وبالتالي فإنه من المحتمل أن تكون (فعول) التي دخلت عليها الميم فصارت (مفعول) هي غير (فعول) الدالة على المبالغة واستشهد لها بالأمثلة. وأن هذا الرأي لا ينطبق على (فعيل) التي هي تأتي بمعنى (فاعل) و(مفعول) فهي صيغة مختلفة عن (فعول) لأن دلالة (فعيل) على المبالغة يختلف فيها النحويون العرب، وسبقت الإشارة إليه في الفقرات السابقة.
نشرت في العدد 12
(1) المذكر والمؤنث لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، حققه وقدم وعلق عليه الدكتور رمضان عبد التواب، صلاح الدين الهادي، مطبعة دار الكتب 1970م، ص83.
(2) سورة المعارج، الآية: 15، 16.
(3) المذكر والمؤنث لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (144 ـ 207)هـ، حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور رمضان عبد التواب، الناشر مكتبة دار التراث، القاهرة، 1975م، ص58.
(4) المذكر والمؤنث للمبرد، ص103.
(5) المصدر نفسه، ص102.
(6) سورة الأحزاب، الآية:37.
(7) سورة الأعراف، الآية:19.
(8) المذكر والمؤنث للمبرد، ص102.
(9) المصدر نفسه، ص103.
(10) سورة الحج، الآية:2.
(11) التكملة، ص344.
(12) التكملة لأبي علي الفارسي، ص344، والآية من سورة الأنبياء، الآية:81.
(13) سورة المائدة، الآية:3.
(14) انظر: بدائع الفوائد للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المشتهر بابن قيم الجوزية المتوفى في 751هـ، عني بتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله للمرة الأولى دار الطباعة المنيرية، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ج3، ص18.
(15) انظر: المقتضب 2/ 115ـ116 والأصول لابن السراج 1/ 146.
(16) سورة الحجر، الآية:73.
(17) سورة هود، الآية:67.
(18) سورة القيامة، الآية:9.
(91) التكملة، 342.
(20) التطور النحوي للغة العربية، تأليف برحشتراسر، أخرجه وصحح وعلق عليه الدكتور رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، (1402هـ ـ 1982م)، بدون طبعة، ص104.
(21) المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية، تأليف عبد المجيد عابدين، ط1، مصر، 1951م، ص55.
(22) سورة آل عمران، الآية:30.
(23) سورة آل عمران، الآية:31.
(24) سورة آل عمران، الآية:89.
(25) سورة آل عمران، الآية:39.
المصدر:موقع مؤسسة الحكمة