الميلاد الكريم
في اليوم العاشر من الربيع الثاني من عام 232 هجرة وفي مدينة الرسول استقبل بيت الإمام الهادي (ع) ثاني أبنائه من امرأة فاضلة ، صالحة كانت تسمى حديث أو سلسل 1 .
وبقي في المدينة إلى عام 243 ، حيث انتقل ـ فيما يبدو ـ مع والده الكريم إلى عاصمة الخلافة العباسية ، سر من رأى ، واستوطن معه في منطقة تُسمى بالعسكر ، ولُقب على أساسها بالعسكري .
كما كان يلقب أيضاً ب : الصامت ، الهادي ، الرفيق ، الزكي ، النقي ، وكانت تعكس هذه الألقاب الخصال الحميدة التي تجلت في حياته ، للناس وكانت كنيته أبا محمد ، والعامة من الناس ، كانوا يلقبونه هو وأباه وجده بابن الرضا (ع) 2 .
وكان للإمام أخ أكبر سناً يُسمَّى ب ( محمد ) عظيم الشأن جليل المنزلة وكانت أنظار أبناء الطائفة ترمقه بصفته الإمام بعد والده ، باعتباره أكبر أولاده ، إلاّ إن الإمام الهادي (ع) ، كان يشير لخواص أصحابه ان صاحب العهد من بعده انما هو أبو محمد الحسن ، وفعلاً قُبض محمد في سن مبكر . ودفن حيث مرقده اليوم بين بغداد وسامراء حيث يتوافد عليه الزوار ويدعون الله هناك فيستجيب لهم كرامة له و لآبائه الطاهرين .
وبوفاة السيد محمد ـ وهذا هو الاسم الذي يشتهر به عند الناس اليوم ـ عرف الجميع ان الإمام الحادي عشر سيكون أبا محمد الحسن ..
ولمزيد من التوضيح قال له الإمام الهادي (ع) عند جنازة محمد كلمته المشهورة : ” يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً ” 3 .
ولعل ، ما احدث الله له إنما كان نعمة الأتفاق عليه ، وعدم حدوث خلاف حول إمامته بعد والده ، بصفته الابن الأكبر بعد وفاة محمد .. وليس الإمامة ذاتها التي هي موهبة إلهية لا ترتبط بالعمر وما أشبه . والدليل على ذلك ان الإمام الهادي كان يشير إلى ذلك من قبل وفاة ابنه أبي جعفر محمد (المعروف بالسيد محمد ) كما ان روايات اخرى أشارت إلى ذلك مأثورة من آبائه الكرام .. لنقرأ معاً بعض تلك النصوص التي اتفقت على محتواها الطائفة وهي ذات دلالة كافية على امامة الإمام العسكري .
يقول علي بن عمر النوفلي : كنت مع أبي الحسن العسكري ( يعني الإمام الهادي (ع) ) في داره فمرّ علينا أبو جعفر فقلت له : هذا صاحبنا ؟ فقال : لا ، صاحبكم الحسن 4 .
ويروي علي بن عمرو العطار ويقول : دخلت على أبي الحسن ، وأبنُه أبو جعفر في الاحياء ، وأنا أظن أنَّه الخلف من بعده ، فقلت : جعلت فداك من أخص من ولدك ؟ فقال : لا تخصوا أحداً من ولدي حتى يخرج إليكم أمري قال : فكتبت إليه بعدُ : فيمن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إلي : الأكبر من ولدي وكان أبو محمد أكبر من جعفر 5 وهو الذي لقب بعدئذ بالكذاب أو التواب ، لأنه ادعى الإمامة حيناً ، ثم تراجع عن دعواه وتاب .. وكان أبو جعفر ، السيد محمد ، أكبرَ أولاد الإمام الهادي ، إلاّ أنه كان قد توفي يومئذ فيما يبدو .
وكتب الإمام الهادي (ع) إلى أبي بكر الفهفكي يقول له :
أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف ، وإليه ينتهي عرى الإمامة واحكامها فما كنت سائلي منه فاسأله عنه وعنده ما تحتاج إليه 6 .
وقد أشار الإمام الجواد (ع) إلى هذه الحقيقة أيضاً حيث جاء في حديث مأثور عن العقر بن دلف قال : سمعت أبا جعفر ، محمد بن علي الرضا ، يقول أن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده في ابنه الحسن 7 .
كما ان هناك روايات مستفيضة تناقلتها الثقاة من أئمة الحديث عن النبي الأكرم (ص) تبين عدد الأئمة الاثنى عشر وأسماءهم وصفاتهم بما لا يدع شكاً عند المؤمنين بان حجة الله البالغة بعد الإمام الهادي كان سيدنا الإمام الحسن العسكري (ع) .
وهكذا انتقلت مهام الإمامة الإسلامية والخلافة الإلهية إليه بعد وفاة والده الإمام الهادي وله من العمر ثلاث وعشرون عاماً .
و كان في سني إمامته بقية أيام المعتز العباسي ثم ملك المهتدي ، و خمس سنين من ملك المعتمد 8 .
صفاته وكراماته
يصفه بعض معاصريه : انَّه (ع) كان : أسمر، أعين، حسن القامة ، جميل الوجه، جيّد البدن ، حديث السن ، له هيبة وجلال 9 .
وقد وصف جلاله وعظمة شأنه وزير البلاط العباسي في عصر المعتمد أحمد بن عبيد الله بن خاقان مع انه كان يحقد على العلويين ويحاول الوقيعة بهم ، وصفه كما جاء في رواية الكليني فقال : ما رأيت ولا عرفت ، بسر من رأى ، من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، ولا سمعت بمثله ، في هديه وسكوته وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان ، وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والحظ ، وكذلك القواد والوزراء والكتّاب وعوام الناس ، وما سألت عنه أحداً من بني هاشم والقواد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام ، والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على أهل بيته ومشائخه وغيرهم ولم أر له ولياً ولا عدواً إلاّ ويحسن القول فيه والثناء عليه 10 .
ووصفه الشاكري الذي لازم خدمته فقال : كان أستاذي صالحاً من بين العلويين ، لم أر قط مثله قال : وكان يركب إلى دار الخلافة بسر من رأى في كل اثنين وخميس قال : وكان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم . ويغص الشارعُ بالدواب والبغال والحمير والضجة ، فلا يكون لأحد موضع يمشي ولا يدخل بينهم . قال فإذا جاء أستاذي سكنت الضجة ، وهدأ صهيل الخيل ، ونهاق الحمير . وتفرقت البهائم حتى يصير الطريق واسعاً لا يحتاج ان يتوقى من الدواب نحفه ليزحمها ثم يدخل فيجلس في مرتبته التي جعلت له فإذا أراد الخروج وصاح البوابون : هاتوا دابة أبي محمد ، سكن صياح الناس وصهيل الخيل ، وتفرقت الدواب ، حتى يركب ويمضي .
وأضاف في صفة الإمام ، كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وأنام ، وهو ساجد ، وكان قليل الأكل ، كان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله فيأكل منه الواحدة واثنين ويقول شل هذا يا محمد إلى صبيانك ، فأقول هذا كله ، فيقول : خذه ، ما رأيت قط أسدى منه 11 .
وعندما سجنه طاغية بني العباسي ، وقال بعض العباسيين للذي وكل بسجنه ( صالح بن وصيف ) : ضيّق عليه ولا توسع فقال له صالح : ما أصنع به ؟ وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه ؛ فقد صارا من العبادة و الصلاة إلى أمر عظيم . ثم أمر بإحضار الموكلين . فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ، فقالا له : ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله ، ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا . وداخلنا مالا نملكه من أنفسنا 12 .
وقد كان الجميع يعرفون قدره ومدى كرامته على ربه حتى ان المعتمد العباسي حينما بويع بالخلافة في تلك الظروف المضطربة التي لم يكن يلبث الخليفة سنة أو بعض سنة جاء إلى الإمام العسكري (ع) وطلب منه الدعاء له بالبقاء عشرين سنة ( وكان عنده تلك المدة طويلة جداً بالقياس إلى من سبقه ) فقال (ع) مدّ الله في عمرك فاجيب وتوفي بعد عشرين عاماً 13 .
هذه واحدة من كرامات الإمام (ع) وقد حفلت كتب الحديث بكراماته التي تفيض عن حدود هذا الكتاب المختصر وإنما نسوق بعضها لنزداد معرفة بحقه ، وبأن أئمة الهدى نور واحد من ذرية طيبة بعضها من بعض اصطفاها الله لبلاغ رسالاته وإتمام حجته ، وإكمال نعمه علينا ..
تعالوا نستمع معاً إلى الرواة كيف قصوا علينا تلك الكرامات :
1 ـ قال أبو هاشم ( أحد الرواة ) سأل محمد بن صالح أبا محمد عن قوله تعالى : ﴿ … لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ … ﴾ 14فقال (ع) ـ له الأمر من قبل ان يأمر به وله الأمر من بعد ان يأمر به مما يشاء ، فقلت في نفسي ، هذا قول الله : ﴿ … أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ 15فأقبل علي فقال : هو كما أسررت في نفسك ﴿ … أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ 15قلت : أشهد انك حجة الله وابن حجته في خلقه 16 .
2 ـ قال احد الرواة ( علي بن زيد ) صحبت ابا محمد ، من دار العامة إلى منزله ، فلما صار الى الدار واردت الانصراف قال : امهل فدخل ثم اذن لي فدخلت فأعطاني مائتي دينار وقال : اصرفي في ثمن جارية فان جاريتك فلانة قد ماتت وانت خرجت من المنزل وعهدي بها انشط بما كانت ، فمضيت فإذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة . قلت ما حالها ؟ قيل شربت ماء فشرقت فماتت 17 .
3 ـ وروي أبو هشام الجعفري وقال : شكوت إلى أبي محمد ( الإمام العسكري (ع) ) ضيق الحبس وشدة القيد ، فكتب إليّ : أنت تصلي الظهر في منزلك ، فاخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي 18 .
4 ـ وروى عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمد (ع) غير مرة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم روم وترك وصقالبة ، فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى قضى أبو الحسن ( أي والده الإمام الهادي عليه السلام ) ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ أحدث بهذا نفسي ، فأقبل عليّ وقال : ان الله بين حجته من بين سائر خلقه وأعطاه معرفة كل شيء فهو يعرف اللغات والأنساب والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق 19 .
5 ـ وسُلِّم الإمام إلى بعض أعوان الظلمة واسمه نحرير فقالت له امرأته : اتق الله ، فانك لا تدري من في منزلك ، وذكرت عبادته وصلاحه ، واني أخاف عليك منه ؟ فقال : لأرمينّه بين السباع ثم استأذن في ذلك ( من طغاته ) فأذن له ، ( وكانت هذه طريقة من طرق الاعدام في ذلك الزمان ) .
فرمى به إليها ، ولم يشكوّا في أكلها له ، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال ، فوجدوه قائماً يصلي ، وهي حوله ، فأمر باخراجه 19 .
6 ـ وروي عن الهمداني قال : كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله التبرك بان يدعو ان أرزق ولداً من بنت عم لي ، فوقّع : رزقك الله ذكراناً فولد لي أربعة 20 .
7 ـ وروى العبدي قال : خلفت ابني بالبصرة عليلاً وكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء لابني فكتب إلي : رحم الله ابنك ان كان مؤمناً قال الراوي : فورد علي كتاب من البصرة ان ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب إليّ أبو محمد بموته ، وكان ابني شك في الامامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة 21 .
8 ـ وروى بعضهم : ان رجلاً من موالي أبي محمد العسكري (ع) دخل عليه يوماً وكان حكاك الفصوص فقال : يا ابن رسول الله : ان الخليفة دفع إليّ فيروزجاً أكبر ما يكون ، وقال انقش عليه كذا وكذا ، فلما وضعت عليه الحديد صار نصفين وفيه هلاكي ، فادع الله لي ، فقال : لا خوف عليك إن شاء الله . قال : فخرجت إلى بيتي ، فلما كان من الغد دعاني الخليفة وقال لي : ان حظّيتين اختصمتا في ذلك الفص ، ولم ترضيا الا ان تجعل ذلك نصفين بينهما فاجعله ..
وانصرفت وأخذت ( الفص ) وقد صار قطعتين فأخذتهما ورجعت بهما إلى دار الخلافة فرضيتا بذلك ، وأحسن الخليفة إليَّ بسبب ذلك ، فحمدت الله 22 .
9 ـ وروى بعضهم : عن محمد بن علي قال : ضاق بنا الأمر قال لي أبي : إمض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد ـ فانه قد وصف عنه سماحتهُ .
فقلت : تعرفه ؟ فقال لي ما أعرفه ولا رأيته قط ، قال : فقصدناه ، فقال أبي ـ وهو في طريقه ـ ما أحوجنا إلى ان يأمر لنا بخمس مائة درهم : مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدقيق ومائة درهم للنفقة ، ( وقال محمد ابنه ) وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم ، مائة اشتريت بها حماراً ، ومائة للنفقة ومائة للكسوة ، وأخرج إلى الجبل ( أطراف قزوين ) .
فلما وافينا الباب خرج إلينا غلام وقال : يدخل علي بن إبراهيم ، وابنه محمد ، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي : يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت ؟ قال : يا سيدي استحييت ان ألقاك على هذه الحال .
فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي ، صرةّ وقال : هذه خمس مائة ، مائتان للكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة للنفقة ، وأعطاني صرة . وقال هذه ثلاثة مائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ومائة للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سورا ( أطراف بغداد ) 2 .
10 ـ وجاء في رواية مأثورة عن علي بن الحسن بن سابور انه قال : قحط الناس بـ ( سر من رأى ) في زمن الحسن الأخير ( الإمام العسكري (ع) ) .. فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة ان يخرجوا إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المصلى يدعون فما سُقوا .
فخرج ( حبر النصارى ) الجاثليق في اليوم الرابع ، ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلما مدّ يده هطلت السماء بالمطر فشك أكثر الناس وتعجبوا وصبوا إلى دين النصرانية .
فأنفذ الخليفة إلى الحسن ( الإمام العسكري ) وكان محبوساً فاستخرجه من محبسته وقال : إلحق أمة جدك فقد هلكت ، فقال : اني خارج في الغد ومزيل الشك إن شاء الله تعالى .
فخرج الجاثليق في اليوم الثالث 23 والرهبان معه وخرج الحسن في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مدّ يده أمر بعض ممالكيه ان يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين أصبعيه ففعل ، وأخذ من بين سبابيته عظماً أسود . فاخذ الحسن بيده ثم قال : استسق الآن ، فاستسقى وكان السماء متغيماً فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء .
فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمد قال (ع) : هذا رجل مرّ بقبر نبي من الأنبياء ، فوقع إلى يده هذا العظم ، وما كشف من عظم نبي إلاّ وهطلت السماء بالمطر 24 .
11 ـ وروى أبو يوسف الشاعر القصير ـ شاعر المتوكل ـ قال : ولد لي غلام وكنت مضيقاً فكتبت رقاعاً إلى جماعة استرفدهم ، فرجعت بالخيبة قال قلت : أجيء فأطوف حول الدار طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه صرة سوداء فيها أربع مائة درهم فقال : يقول لك سيدي انفق هذه على المولود بارك الله فيك 25.
12 ـ قال أبو هاشم : كتب إليه بعض مواليه يسأله ان يعلمه دعاء فكتب إليه ان ادع بهذا الدعاء ” يا أسمع السامعين ، ويا أبصر المبصرين ، ويا عزّ الناظرين ، يا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صل على محمد وآل محمد ، وأوسع لي في رزقي ومدّ في عمري . وامنن عليّ برحمتك واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري ” .
قال أبو هاشم : فقلت في نفسي ، اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك ، فاقبل عليّ أبو محمد فقال : أنت في حزبه وفي زمرته : إذا كنت بالله مؤمناً ولرسوله مصدقاً ، ولأوليائه عارفاً ، ولهم تابعاً ، فابشر ثم أبشر 26 .
تلك كانت نبذة منتقاة من كرامات الإمام (ع) .. وهناك الكثير الكثير مما لا تسعه هذه الأوراق . وأكثر منها بكثير مما لم تنقله الرواة ..
وهي الدلالة الشاهدة التي جعلت الناس يؤمنون بأنه الوصي حقاً لرسول الله ، والإمام المعصوم من ذريته . وقد تحدثنا في كتب سبقت عن أئمة الهدى . جانباً من حكمة ظهور هذه الكرامات على أيديهم الطاهرة .
الإمام شاهد عصره
معروف ـ لدى القارئ الذي تابع معنا قصص أئمة الهدى ، ان دور الأئمة (ع) امتداد لدور الأنبياء . ورسالتهم هي تلك الرسالة الخالدة التي بشرت بها كتب السماء .. من الدعوة إلى الله .. والترغيب في ثوابه والترهيب من شديد عقابه !! وسوق الناس إلى اتباع رضوانه وتزكية نفوسهم الرذائل . وتطهيرها بالحب والإيمان والخلق الفاضل . ثم تعليمهم شرائع دينهم ..
وكان من أبرز مسؤوليات الأنبياء (ع) ” قيادة المجتمع المؤمن بما لهذه المسؤولية من علاقة بتطبيق أصول القيم الإلهية على مفردات الحياة اليومية .. وبتمثيل تلك الأصول ضمن مواقف وفاعليات وأنشطة . حتى يصبح النبي والإمام من بعده ثم الصديقون قدوات وحججاً على الخلق وليقطعوا عنهم حبل المعاذير والتبريرات . ويشحذوا وليشحنوا عزائمهم بومضات من الإرادة ، ومن هنا لا ينبغي ان نحدد دور الإمام في الحقل السياسي بالمعنى الضيق للكلمة بالرغم من ان ا لسياسة تمثل تقاطع سائر الحقول أو ليست الثقافة ذات تأثير على السياسة ؟ أو ليس الإقتصاد والتربية والأنظمة الإجتماعية هي العوامل التي تصنع السياسة .
ومن هنا يجب ان نفرق بين معنيين للسياسة .. المعنى الخاص الذي يعني إدارة القوى الإجتماعية ذات التأثير في عالم الحكم .. والتي يقوم بها السلاطين والرؤساء السياسيون .. وهذه هي السياسة المباشرة ( المعنى الضيّق للكلمة ) .
والمعنى العام والذي يعني صنع القوى الفاعلة في المجتمع والتي تؤثر بالتالي في عالم الحكم . وهي السياسة غير المباشرة ، والتي يقوم بها ـ عادة ـ المصلحون وأصحاب المبادئ التغييرية ( وهذه السياسة بالمعنى العام ) .
ولا ريب ان الأنبياء وأوصياءهم كانوا يقودون عملية التغيير ، وثورة الاصلاح بكل أبعادها الثقافية ( نشر الدعوة ) والتربوية ( تزكية النفوس ) والإجتماعية ( تكوين التجمع الإيماني وتنظيم علاقاته ) كما كانوا يتعاطون أحياناً السياسة بالمعنى الخاص حيث يديرون البلاد بصورة منفردة أو يشتركون في الإدارة مع سائر القوى ..
كذلك قام النبي الأعظم (ص) بإصلاح المجتمع في مكة ، وبنى هناك التجمع الايماني ، ونظم علاقاتهم ثم شكَّل حكومته منهم في المدينة المنورة .
وخلال سني خلافته الظاهرية تعاطى الإمام علي (ع) السياسة المباشرة . بينما قام بدور اصلاحي قبلئذ عند حكومة الخلفاء من قبله وفي ذات الوقت ساهم معهم بصورة أو باخرى في السياسة المباشرة .
والأئمة الأطهار (ع) كانوا يقومون بالاصلاح بكل ما أوتوا من قدرة ويصنعون قوة سياسية فاعلة في المجتمع . وذلك عبر قيادتهم المباشرة للمؤمنين الاصفياء من شيعتهم .
حتى انتهى الأمر إلى الإمام العسكري (ع) إذ قام خلال سني امامته بإدارة الشيعة الذين أصبح وزنهم السياسي متعاظماً في عهد الإمام الكاظم واعترف بهم كقوة سياسية في العهود التي تلت ولاية العهد من قبل الإمام الرضا (ع) ، وحتى غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ..
كيف كان يدير الإمام الشيعة ؟ وكيف تكونت عبر الآفاق شبكة الوكلاء الذين كانوا يمثلونه ؟ وكيف كانت تجري المراسلة بينهم وبينه ؟
تلك الحقائق لم يبحثها التاريخ الذي اقتصر ـ مع الأسف ـ على وصف الملوك وغزواتهم وحروبهم وحتى ليالي مجونهم . بينما أهمل حياة الشعوب والتيارات التي كانت تجري في المجتمع .
إلاّ ان الأحاديث التي سجلت الكثير من تفاصيل حياة الأئمة (ع) ، تعتبر مادة موثوقة نستطيع ان نستلهم منها بعض الحقائق .. إلاّ انها تبقى لا تعكس وحدها كل الصورة التي نتشوق إليها لمعرفة حياة الإمام (ع) التي اتسمت كحياة غيره من الأئمة بطابع السرية المطلقة ليس فقط خوفاً من الطغاة وانما أيضاً كإجراء احتياطي للمستقبل والمتغيرات التي تحكمه وكمنهج في تربية الناس على الحقائق الكبرى التي لا يحتمل قلب أغلب الناس ثقلها ..
وما نذكره فيما يلي بعض تلك الحقائق عن حياة الإمام العسكري التي لابد ان نكملها بما نعرفه من سيرة سائر الأئمة (ع) .
1 ـ الإمام والتقية الشديدة : لان الإمام (ع) كان يمهد للغيبة الكبرى . وكانت من سمات عصر الغيبة ،التقية . فان حياته اتسمت ـ وربما أكثر من غيره من الأئمة الهداة ـ بأقسى حالات التكتم .. والقصص التالية تعكس جانباً من حالات التقية .
أ ـ يقول داود بن الأسود : دعاني سيدي أبو محمد فرفع إلي خشبة كأنها رجل باب مدورة طويلة ملاء الكف فقال : صر بهذه الخشبة إلى العمري ( أحد وكلاءه المقربين ) فمضيت فلما صرت في بعض الطرق عرض لي سقاء معه بغل فزاحمني البغل على الطريق . فناداني السقاء ضح عن الطريق ( أي وسع الطريق ) فرفعت الخشبة التي كانت معي فضربت بها البغل ، فانشقت ( الخشبة ) فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب ( رسائل ) فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمي فجعل السقاء ينادي ويشتمني ، ويشتم صاحبي 27 .
هكذا كان الإمام يستخدم اسلوب الكتمان وبهذا المستوى الرفيع .. حتى في نقل الرسائل من دار لدار أو بلد قريب إلى بلد قريب آخر .
وفي نهاية القصة نجد عتاباً شديداً تعرض له حامل الرسالة على تصرفه البعيد عن روح العمل السري فقال خادم الإمام : حكاية عن الإمام قال : وإذا سمعت لنا شاتماً فامضِ في سبيلك التي أمرت بها ، وإياك ان تجاوب من يشتمنا أو تعرفه من أنت ! فأنا ببلد سوء ، ومصر سوء ، وأمضِ في طريقك ، فان أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك 2 .
ب ـ وكان أسلوب التحدث بالاشارة شائعاً في أوساط الشيعة كما يظهر من كثير من قصصهم .. وفي القصة التالية نجد هذا الأسلوب كما نجد مدى تحذير الإمام من مخالفة التقية دعنا نستمع إليها :
يقول محمد بن عبد العزيز البلخي : أصبحت يوماً في شارع الغنم ، فإذا بأبي محمد (ع) قد أقبل من منزله يريد دار العامة 28 ، فقلت في نفسي أن صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه ، يقتلوني ؟ فلما دنا مني أومأ باصبعه السبابة على فيه ان اسكت . ورأيته تلك الليلة يقول : انما هو الكتمان أو القتل فاتق الله على نفسك 29 .
ج ـ ونقرأ عن أسلوب الإشارة أيضاً قصة علي بن محمد بن الحسن قال وافت جماعة من الاهواز من أصحابنا وكنت معهم وخرج السلطان إلى صاحب البصرة ( الذي خرج بالبصرة وهو صاحب الزنج المعروف ) فخرجنا ننظر إلى أبي محمد ( الذي كان يخرج عادة مع السلطان في مثل هذه المناسبات الرسمية تطبيقا لمبدأ التقية ) .
فنظرنا إليه ماضياً وقعدنا بين الحائطين ب ( سر من رأى ) ننتظر رجوعه ، فرجع فلما حاذانا وقرب منا وقف ومدَّ يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه وأمسكها بيده وأمرَّ يده الأخرى على رأسه ، وضحك في وجهه رجل منا .
فقال الرجل مبادراً : أشهد انك حجة الله وخيرته ؛ فقلنا يا هذا ما شأنك ؟ قال : كنت شاكاً فيه فقلت في نفسي ان رجع وأخذ القلنسوة عن رأسه قلت بامامته 25 .
ملامح عن عصر الإمام
وتتسارع دورة الحضارة في أي أمة من البشر إلى نهايتها المأساوية ؛ إلاّ إذا قام فيها مصلحون ودفعوا سفينة الحياة بعيداً عن عواصف الهلاك ، وأعاصير الفتن .. ولعل الآية القرآنية تشير إلى هذه الحقيقة إذ يقول ربنا سبحانه : ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ 30. ثم يقول : ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ 31.
فما دامت حركة الإصلاح قائمة في الأمة . تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . وتقاوم باستمرار بؤر الفساد ( الطغاة ، والمترفين ، والاشياع الجهلة ) فان العذاب يتأخر عنها لانها تصبح قوة تردع الأمة عن الانزلاق إلى الهاوية .
ولقد كانت حضارة الأمة الإسلامية في عصر الإمام العسكري قد تكاثرت فيها عوامل الأنهيار ولولا دفاع الإمام وشيعته عن قيم الحق والعدل ، وجهادهم العظيم ضد الترف والبغي والجهل .. ربما كانت الحضارة تتلاشى بصورة كلية .
لقد أوغل الخلفاء وحاشيتهم الفاسدة في الإرهاب والقمع ، وسرقة أموال الأمة . والاسراف في صرفها على لهوهم أو شراء ضمائر الشعراء والتافهين ..
أما ارهابهم وقمعهم للأحرار والمصلحين ، فقد كانت تلك قاعدة الحكم عندهم . مثلاً عندما انتفضت الشام ضد الحكم العباسي في عهد المتوكل بعث إليهم بجيش قوامه ثلاثة آلاف راجل وسبعة آلاف فارس . فدخلوا الشام وأباحوا دمشق ثلاثة أيام 32 .
وقد كان من أساليب الخلفاء يومئذ في الاعدام القاء المتهم أمام السباع لتأكله . أو القاءهم في تنور ليحترقوا أو ضربهم حتى الموت ، أو ما أشبه من الأساليب الوحشية . وقد انعكس الإرهاب حتى أصبح أسلوباً في فض صراعاتهم الداخلية ، حيث نجد الإنقلابات ، والإغتيالات أصبحت لغة التفاهم بين أبناء الأسرة الحاكمة ..
فهذا المتوكل الطاغية المرهوب يسلط الله عليه ابنه المنتصر . فيتحالف مع بعض قواد جيشه الأتراك. فيثبون عليه ليلاً ، ويقتلونه هو ووزيره الطاغية فتح بن خاقان ، وهما غارقان في اللهو والفجور حتى يقول الشاعر بحقه :
هكذا لتكن منايا الكـرام *** بين ناي ومـزهر ومدام
بين كأسين أورثاه جميعـا *** كأس لذاته وكأس الحمام
لم يذل نفسه رسول المنـايا *** بصنوف الأوجاع والأسقام 4
وبعد المتوكل لم يدم نظام ولده وقاتله المنتصر حيث قيل ان الأتراك الذين ساعدوه في اغتيال والده خشوا الفتك بهم فدسوا إليه السمّ عبر طبيبه المعروف ب ( ابن طيغور ) الذي رشوه بثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة ، فمات من ساعته 33 .
وحكم المستعين الذي خلعه الأتراك وبايعوا المعتز . وكان قد هرب إلى بغداد وجرد جيشاً لمحاربة الأتراك ولكنهم هزموه وجيشه ثم قتلوه ولم يبلغ الثانية والثلاثين من عمره .
اما المعتز الذي كان شديد العداء لآل البيت (ع) وقد ورث من أبيه المتوكل الحقد ضد الأسرة النبوية الشريفة ، فقد أخذ هو الآخر وأقيم في الشمس في يوم قائظ واضطر ليخلع نفسه أمام قاضي بغداد ثم قتلوه صبراً .
وبعد المعتز نصب الأتراك المهتدي الذي سار على سنة أجداده في الإرهاب والضغط على أهل البيت (ع) وشيعتهم حتى قال : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض ، ولكن الله نفاه إلى جهنم قبل ذلك ، حيث هجم عليه قائد تركي مخمور وضربه على أوداجه ثم أخذ يشرب دمه ، حتى روى منه . وبعد المعتز بويع المعتمد الذي لم يشذ في شيء من اللهو والفجور والإرهاب والقمع عن الشجرة الملعونة ( بني العباس ) . لقد كانت تلك صورة خاطفة عن طبيعة النظام القائم على الإرهاب خارجياً وداخلياً .
ولقد كانت سيطرة الأتراك الذين جاء بهم العباسيون كمرتزقة لحماية عروشهم ومقاومة غضب العرب من جهة واستثار الفرس من جهة ثانية فتحولوا مع الزمن ، إلى أكبر مشكلة للحكم العباسي ؛ حيث تسيس الجيش التركي المرتزق ولعل بعضهم كان يتأثر بتيارات سياسية وثقافية معينة ويؤيدهُ ضد تيار آخر ويقوم ـ تبعاً لذلك ـ بانقلاب عسكري ضد الخليفة ـ ولا نستبعد وجود قيادات مؤيدة للتيار العلوي حسبما تشير إلى ذلك بعض الشواهد التاريخية .
وهناك قانون سياسي مشهور كلما توغل النظام في الإرهاب كلما شجع على اللهو والفجور ليلهي الناس عن الحياة المرة التي يعيشونها . وهكذا فعل العباسيون منذ باكورة عهدهم حيث تشهد بذلك قصص ألف ليلة وليلة وأخبار قصورهم المليئة بأسباب اللهو والدعارة .
وكلما تقدم الزمن وزاد إرهاب العباسيين وعزلتهم عن الجماهير كلما أزدادوا انهماكاً في اللذات حتى إذا بلغ عهد المتوكل بلغ به الخلاعة واللهو الذروة . فكانت مجالسته معروفة حتى قال المؤرخون انه كان يملك خمسة آلاف سرية يقال انه قاربهن جميعاً ، حتى حلف عبد من عبيده انه لو لم يقتل لما عاش طويلاً لكثرة جماعه 34 .
واللهو والترف كان على حساب الجماهير المستضعفة حيث كان النظام يستنزف الناس بزيادة الخراج ( التي هي بمثابة الضرائب اليوم ) وبقمع المعترضين ، وكلما سبب ترف النظام وبذخه افلاس الخزينة ابتدع الولاة أسلوباً جديداً في جمع الأموال من الناس ، وفرض الضرائب الفادحة عليهم .
واستأثروا بأموال الدولة وكانت أموال المحسوبين تقدر بالملايين . وكان يفرق الخليفة على رؤساء جنده، وأقاربه وأرحامه ، والشعراء المتزلفين إليه الأموال الطائلة التي تعد بآلاف الألوف .
وكانت عطايا المتوكل على بعض جواريه تعد بخمسين ألف . وقد صنعت في عهد المقتدر صورة مجسمة لقرية من فضة وقد كانت كل ما في القرى من اشجار وحيوانات وبيوت ، وقد أنفق عليها أموال طائلة .. ثم هداها الخليفة إلى بعض جواري أمه .
وقد بنى المتوكل قصراً فخماً أنفق عليه مليون وسبعمائة ألف دينار فدخل عليه بعض حواشيه (يحيى) وقال : أرجو ـ يا أمير المؤمنين ـ ان يشكر الله لك بناء هذا القصر فيوجب لك به الجنة .
تعجب المتوكل من كلام هذا المتزلف التافه . لأنه كان يعرف انه سرق أموال الشعب وبنى به هذا القصر وانى يرضى الرب بذلك فقال : وكيف ذلك ؟ قال يحيى : لانك شوقت الناس بهذا القصر إلى الجنة ، فيدعوهم ذلك إلى الأعمال الصالحة التي يرجون بها دخول الجنة فسرَّ بذلك المتوكل 35 .
وكان المتوكل قد أمر ألاّ يدخل في هذا القصر أحد إلاّ وهو في ثياب من الديباج والوشي وقد أحضر أصحاب الملاهي والمعازف ..
وإلى جانب هذا البذخ كان يعيش عامة الناس أشد البؤس . أو ليس قد قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : ” ما رأيت نعمة موفورة إلاّ وبجانبها حق مضيع ” .
وقد عبر الشعراء المعدمون عن تلك الحياة الصعبة التي كان يعيشها عامة الناس ، أحسن تعبير فقال بعضهم وهو يصف حالة نفسه ( التي تعكس حالة مجتمعه ) وكيف ان له صبية أضرّ بهم الجوع ..
و صبيـة مثـل صغـار الـذر *** سود الوجوه كسواد القدر
جاء الشتــاء و هـم بشــر *** بغير قمص و بغير ازر
تراهم بعد صـلاة العـصـر *** وبعضهم ملتصق بصدري
و بعضهم ملـتصق بـظهـري *** وبعضهم منحجر بحجري
إذا بكـوا عللتـهم بالفـجـر *** حتى إذا لاح عمود الفجر
ولاحت الشمس خرجت أسري *** عنهم وحلّوا بأصول الجدر
كـأنهم خنـافس فـي حجـر *** هذا جميع قصتي وامري
فارحم عيـالي و تـول أمـري *** فأنت أنت ثقتي وذخري
كنيت نفسـي كنيـة في شـعر *** أنا أبو الفقر وأمِّ الفقر 36
وكان المعارضون للسلطة يواجهون حصاراً إقتصادياً شديداً . وقد بلغ الأمر بالسلالة العلوية في عهد
المتوكل ان القميص الواحد كان مشتركاً بين العلويات تصلي فيه الواحدة بعد الأخرى 37 .
وبسبب هذا الوضع الإجتماعي البائس اندلعت ثورات إجتماعية أبرزها ـ في عصر الإمام العسكري ـ ثورة يحيى بن عمر الطالبي التي اندلعت في الكوفة فاستولى يحيى عليها وأخرج من كان في سجونها ، ولكنها قمعت من قبل العسكر العباسي . وقتل قائدها وكان يوماً عظيماً في تاريخ الحركة الرسالية . إذ كانت تلك المصيبة حلقة في سلسلة المصائب التي تواردت على آل النبي (ص) وقد رثاه بعض الشعراء بأبيات منها :
بكـت الخيـل شجـوهـا *** و بكاه المهند المصقول
وبكاه العراق شرقاً و غـرباً *** و بكاه الكتاب والتنزيل
والمصلي والبيت والحـجـر *** جميعـا عليـه عـويل
كيف لم تسقط السماء علينا *** يوم قالوا أبو الحسين قتيل 38
وثورة الزنج التي قادها علي بن عبد الرحيم من بني عبد القيس وقد ادعى انه علوي إلاّ ان المؤرخين يشكون في ذلك وقد صدر عن الإمام العسكري بيان ينفي كونه منهم أهل البيت .
ولا ريب انها من أعظم الثورات في ذلك العصر . حيث اتبعها المحرومون والفقراء ، وقد استنفذت طاقات الخلافة العباسية ردحاً من الزمن .
وقد أثرت هذه الطريقة الشاذة التي اتبعها السلاطين في إدارة البلاد باسم الخلافة الإسلامية أثرت تأثيراً سلبياً على الثقافة الدينية للأمة ! فاستغل المتأثرون بالفلسفة اليونانية هذا الوضع ، وحاولوا تشكيك الناس بحقائق دينهم وكان بينهم الفيلسوف المعروف ” إسحاق الكندي ” حيث اخذ في تأليف كتاب يظن انه يرد على القرآن الكريم ويبين تناقضاته ( على طريقة الفلاسفة في الرد على بعضهم عبر بيان تهافت أفكارهم ) فلما انتهى الخبر إلى الإمام العسكري طلب بعض تلامذة الكندي وقال له : اما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟
فلما سأله الرجل عن كيفية ذلك قال له الإمام (ع) : ” أتؤدي إليه ما ألقيه إليك ” ؟
قال : نعم قال : ” صر إليه ، وتلطف في مؤانسته ، ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأنسة فقل : قد حضرتني مسألة أسألك عنها ، فانك تستدعي ذلك منك ، فقل له .. ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن ، هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها انك ذهبت إليها ، فانه سيقول لك انه من الجائز لانه رجل يفهم إذا سمع ؛ فإذا أوجب ذلك فقل له : فما يدريك لعله أراد غير هذا الذي ذهبت أنت إليه ، فيكون واضعاً لغير معانيه ” .
فذهب الرجل إليه . وصنع مثلما أمره الإمام فوقع الكلام في قلبه موقعه لانه ـ كما أشار الإمام ـ كان رجلاً ذكياً فهماً . وعرف ان الإحتمال ـ مجرد الإحتمال ـ يبطل الإستدلال ـ كما يقول الفلاسفة ـ وان هذا الكلام لو انتشر في تلامذته لم يصدقه أحد في كتابه فيكون قد حكم على نفسه بالسفه إذا هو أصر في تأليف الكتاب فارتدع عنه ولكنه سأل من الرجل وقال له :
أقسمت عليك الا ما أخبرتني من أين لك هذا ؟ قال الرجل : أنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك قال الكندي : كلا ما مثلك من يهتدي إلى هذا : قال الرجل : أمرني به الامام أبو محمد .. فقال الكندي : وما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت .. وعمد إلى كتابه فأتلفه 39 .
وهكذا أنقذ الإمام دين جده المصطفى (ع) من كتاب شبهة وضلالة ـ ولعل ـ هذا التلميذ كان من شيعة الإمام الذي تسلل إلى جهاز الكندي . إذ من المناسب جداً استخدام هذه الأساليب من قبل القيادات الرسالية لمقاومة التيارات المنحرفة !
وكم من المبادرات الشجاعة قامت بها القيادة الرسالية لصد هجمات الأعداء الفكرية وظلت في طي الكتمان لطبيعتها السرية ـ مثل هذه المبادرة ـ أو لضياع المصادر والمراجع التاريخية .
ومثل هذه المبادرة قصة الإمام (ع) مع الراهب الدجال الذي كاد يفسد على ضعفاء النفوس دينهم ، والتي سبق الحديث عنها .
شهادته الاليمة
كان يوم الثامن من ربيع الأول ، لعام 260 هجرية يوماً كئيباً في مدينة سامراء حيث انتشر نبأ استشهاد الإمام العسكري في عنفوان شبابه .
عطلت الأسواق وهرع الناس إلى دار الإمام يبكون وشبَّه المؤرخون ذلك اليوم الحزين بيوم القيامة ، لماذا ؟ لان الجماهير المحرومة التي كانت تكتم حبها واحترامها للإمام العظيم خشية بطش النظام .. أطلقت اليوم العنان لعواطفها الجياشة .
آه كم عانى أهل بيت النبوة في سبيل ترسيخ دعائم الدين ونشر قيم التوحيد .
كم سفكت دماءهم ، وهتكت حرماتهم ولم ترع حقوقهم وقرابتهم من رسول الله (ص) .
حقاً كم هي عظيمة محنة أولياء الله على مر العصور .. وكم هو عظم مقامهم عند ربهم وأجرهم !
وهذا الإمام العظيم الذي يرحل عن دنياهم ، ولم يتجاوز عمره السادسة والعشرين . كم كابد من ألوان المحن ، منذ عهد المتوكل الطاغوت التافه الذي ناصب أهل بيت الرسالة ـ العداء ـ وهدم قبر أبي عبد الله الحسين (ع) .. وإلى عهد المستعين بالله الذي حبس الإمام عند واحد من أشد رجاله عداوة لآل البيت .. ( اوتاش الذي اهتدى بالإمام بعد ان رأى منه الكرامات ) . وكاد ان يقتل الإمام لولا ان الله لم يمهله فخلع عن السلطة .
وإلى عهد المعتز الذي عمد على سجن الإمام فتضرع الإمام إلى الله حتى هلك .
وحتى عهد المهتدي الذي ظل يضايق الإمام حتى اعتقله وأراد قتله ولكن الإمام أخبر واحداً من أصحابه واسمه أبو هاشم بما يلي :
يا أبا هاشم ان هذا الطاغية أراد قتلي في هذه الليلة . وقد بتر الله عمره ، ليس لي ولد وسيرزقني الله ولداً 40 .
وأخيراً في عهد المعتمد الذي لم يزل يؤذيه حتى اعتقله .
بلى عاش الإمام أكثر أيام قيادته في محن وها هو يقضي نحبه . هل مات حتف أنفه . أم دسَّ إليه السم ؟
لقد كان السم من أشهر وسائل الإغتيال عند السلاطين في ذلك العهد . وكانت خشيتهم من أمثال الإمام من القيادات الدينية المحبوبة تدفعهم إلى تصفيتهم بمثل هذه الطريقة .
ويزيدنا دلالة على ذلك طريقة تعامل النظام مع الإمام في مرضه حيث أوعز الخليفة إلى خمسة من ثقاته بملازمة الإمام في مرضه ، وجمع له بعض الأطباء ليرافقوه ليل نهار 41 .
لماذا ؟ يبدو ان هناك سببين لمثل هذا التصرف الغريب :
أولاً : محاولة التنصل عن مسؤولية اغتيال الإمام ، أمام الجماهير . وحسب المثل المعروف عن السياسيين : أقتله وابك تحت جنازته .
ثانياً : كان معروفاً عند كل الناس وبالذات عند الساسة ، ان أئمة أهل البيت يحظون باحترام أوسع الجماهير وان الشيعة يعتقدون بان الإمامة تنتقل فيهم كابراً عن كابر . وها هو الإمام الحادي عشر يكاد يرحل عنهم إذاً لابد ان يكون هناك وصي له فمن هو هذا الوصي ؟ كان الخلفاء العباسيون يحاولون دائماً معرفة الوصي عند شهادة واحد من الأئمة . وكان الأئمة يخفون أوصيائهم عند الخوف عليهم حتى يزول الخطر .
ومن جهة اخرى كانت أحاديث المهدي المنتظر سلام الله عليه قد ملأت الخافقين وكان العلماء يعرفون انه الوصي الثاني عشر . ومن غير المعقول الا يعرف سلاطين بني العباس شيئاً من تلك الأحاديث . لذلك تراهم يبحثون عن المنتظر بكل وسيلة لعلهم يقدرون على اطفاء نوره الإلهي .. ولكن هيهات .
من هنا اتخذ المعتمد العباسي تدابير استثنائية عندما ثقل حال الإمام وأشرف على الرحيل .
اما بعد وفاته فقد أمر بتفتيش داره ، ومراقبة جواريه ، ولم يكن يعرف ان الله بالغ أمره وان الإمام المنتظر قد ولد قبل أكثر من خمس سنوات وانه قد أخفي عن عيون النظام . وان صفوة الشيعة قد بايعوه .
وهكذا رحل الإمام بسم المعتمد 42 وبعد وفاته وغسله وتكفينه صلى عليه من طرف السلطة أبو عيسى ابن المتوكل نيابة عن الخليفة وبعد الفراغ كشف وجه الإمام وعرض على الهاشميين والعلويين ـ بالذات ـ وكبار المسؤولين ، والقضاة والأطباء وقال هذا الحسن بن ( علي ) بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه ، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ، ومن القضاة فلان وفلان ، ومن المتطَّببين فلان وفلان ، ثم غطى وجهه الشريف 43 .
وهذا الاجراء جاء لنفي تورط السلطة في قتل الإمام . مما يدل على أنها كانت متهمة من قبل الناس بذلك .
هكذا رحل الإمام . وخلف وراءه مسيرة وضاءة ليهتدي بنورها الأجيال .. ودفن في مقامه الشريف في مدينة سامراء عند قبر والده حيث لا يزال المسلمون يتوافدون للسلام عليه .
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً ..
وسلام الله على شيعته واتباعه إلى يوم القيامة .
الوصية الأخيرة
كانت شمس الإمامة تميل إلى المغيب ـ حيث قدّر الله ان تشع هذه الشمس من وراء حجاب الغيبة الصغرى ثم الكبرى . لذلك قام الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه بدورين هامين :
أولاً : التأكيد على بصيرة الغيبة وأخذ البيعة لولي الله الأعظم الإمام المنتظر عجل الله فرجه .
ثانياً : ترسيخ قواعد المرجعية الدينية .
ألف : البيعة للمنتظر
تظافرت الأحاديث حول الإمام الحجة المنتظر سلام الله عليه ، التي صدرت عن النبي وعن أئمة الهدى جميعاً .. الا ان تأكيد الإمام العسكري (ع) على هذا الأمر كان ذا أثر أبلغ لأنه قد حدد شخص الإمام لخواص أصحابه وهناك روايات عديدة في ذلك نكتفي بذكر واحدة منها .
روى الثقة أحمد بن إسحاق بن سعيد الأشعري ، قال : دخلت على أبي محمِّد الحسن بن عليّ (ع) ، وأنا أريد ان أسأله عن الخلف من بعده ، فقال لي مبتدئاً :
” يا احمد بن إسحاق إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ، ولا يخليها إلى ان تقوم الساعة من حجة الله على خلقه ، به يرفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث ، وبه يخرج بركات الأرض ” .
فقلت له : يا بن رسول الله ! فمن الإمام والخليفة بعدك ؟
فنهض مسرعاً فدخل البيت ، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال :
” يا أحمد لولا كرامتك على الله ـ عزّ وجلّ ـ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنِّه سمّي باسم رسول الله وكنيته الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً : يا أحمد مثله في هذه الأمة مثل الخضر ، ومثل ذي القرنين ، والله ليغيبنّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلاّ من ثبّته الله على القول بإمامته ، ورفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه ” 44 .
باء : المرجعية الرشيدة
وكان لابد لهذه الإمامة التي كانت امتداد للرسالة الإلهية ، كيان إجتماعي على الأرض وهم الشيعة المخلصون ، وكان لابد لهؤلاء من نظام إجتماعي راسخ قادر على مواجهة التحديات ، وقد تمثل في القيادة المرجعية ، التي تعني تمحور الطائفة حول العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه . لذلك ترَّسخ في عهد الإمام العسكري نظام المرجعية حيث تعاظم دور علماء الشيعة باعتبارهم وكلاء ونواب وسفراء عن الإمام المعصوم (ع) وانتشرت روايات عن الإمام العسكري في دور علماء الدين منها تلك الرواية المعروفة التي نقلت عن الإمام العسكري عن جده الإمام الصادق (ع) . والتي جاء فيها : ” من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه ” .
وهكذا طفق العلماء المهتدون بضياء أهل البيت (ع) بالتصدي لشؤون الطائفة في عصر الإمام (ع) . وكانوا يراسلون الإمام فيما تأتيهم من مسائل غامضة فيأتيهم الجواب المختوم بتوقيعه مما سمي عندهم بالتواقيع ، وقد اشتهرت جملة منها عن الإمام العسكري (ع) .
وفيما يلي نذكر أسماء طائفة من أصحاب الإمام والرواة عنه والذين كان بعضهم في مركز قيادة الطائفة حسبما يتبين من التاريخ .
1 ـ إبراهيم بن أبي حفص الذي قال عنه النجاشي : انه شيخ من أصحاب أبي محمد العسكري (ع) وأضاف في تعريفه : ثقة وجه له كتاب الردّ على الغالية وأبي الخطاب 45 ..
ويبدو من كلمته أنه وجه وانه كان شخصية معروفة عند أبناء الطائفة أو عند الناس جميعاً .
2 ـ أحمد بن إدريس القمي قال عنه النجاشي : كان ثقة فقيهاً في أصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية 46 ..
3 ـ أحمد بن إسحاق الأشعري ـ كان وافد القميين وكان من خواص الإمام العسكري (ع) .
وقد روى كتباً عن أهل البيت (ع) وقال عنه الشيخ ، انه ممن رأى الإمام صاحب الزمان (ع) 47 .
4 ـ الحسن بن شكيب المروزي كان عالماً متكلماً ومصنفاً للكتب وكان يسكن سمرقند وقد عدهُ الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام العسكري (ع) 48 .
5 ـ الحسن بن موسى الخشاب ، الذي يقول عنه النجاشي : انه من وجوه أصحابنا ، مشهور ، كثير العلم والحديث ، له مصنفات منها : كتاب ” الرد على الواقفة ” وكتاب ” النوادر ” 49 .
6 ـ حفص بن عمرو العمري الذي عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أبي محمد (ع) وقد خرج من الإمام بشأنه توقيع جاء فيه : ” فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري ، رضي الله عنه برضائي عنه فتسلم عليه ، وتعرفه ويعرفك ، فانه الطاهر الأمين ، العفيف القريب منا وإلينا ، فكل ما يحمله إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره ، ليوصل ذلك إلينا ” 50 .
وهذا التوقيع يدل على منهجية الإمام (ع) في تكريس القيادات الصالحة في الطائفة ، لتكون المرجع ، لشؤونها في عصرهم ، وليصير سنة حسنة في العصور التالية .
7 ـ حمدان بن سليمان : أبو سعيد النيشابوري ، عده الشيخ من أصحاب الإمام العسكري وكان ثقة من وجوه الشيعة 2 .
8 ـ سعد بن عبد الله القمي حيث عاصر الإمام العسكري (ع) بالرغم من ان الشيخ الطوسي قال عنه: لم أعلم انه قد روى عنه ، وقال النجاشي عنه : انه شيخ هذه الطائفة وفقيهها وحجتها وقد صنف كتباً كثيرة ، وسافر في طلب الحديث . وسمعه من أئمته من مختلف المذاهب 51 .
9 ـ السيد عبد العظيم الحسني الذي ينتهي نسبه إلى الإمام المجتبى (ع) . وكان عالماً فقيهاً زاهداً، معارضاً للسلطات الطاغية ، وكان الأئمة يأمرون شيعتهم بالرجوع إليه . فقد روى أبو حماد الرازي وقال : دخلت على علي بن محمد ( الإمام الهادي عليه السلام ) بسر من رأى ، فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيها ، ولما ودعته قال لي : ” يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك ، فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني واقرأه مني السلام ” 52 .
وقد اشتهر بين الشيعة في منطقة ( الري ) بالرغم من اختفاءه وسرية أعماله حتى إذا مات ، دفن في بستان هناك ، وأصبح قبره مزاراً للطائفة حتى اليوم .
10 ـ عبد الله بن جعفر الحميري الذي كان شيخ القميين ووجههم وقد ألف كتباً كثيرة في حقول شتى وقد قدم الكوفة زهاء عام التسعين بعد المائتين فسمع أهلها منه حديثاً كثيراً 53 .
11 ـ علي بن جعفر الهماني الذي كان ـ حسب البرقي ـ فاضلاً مرضياً من وكلاء الإمامين الهادي والعسكري (ع) ، وقد روى الكشي فيه حديثاً طريفاً . جاء فيه : انه حبس في عهد المتوكل العباسي لصلته بالإمام الهادي فلما طال حبسه وعد أحد أمراء العباسيين ( واسمه عبد الله بن خاقان ) بثلاثة آلاف دينار ليكلم المتوكل فيه فلما كلمه قال : يا عبد الله لو شككت فيك لقلت انك رافضي وأضاف : هذا وكيل فلان (يعني الإمام الهادي عليه السلام) وأنا عازم على قتله فلما بلغ الهماني هذا الخبر كتب إلى أبي الحسن (ع) ” يا سيدي الله الله فيَّ فقد ـ والله ـ خفت ان أرتاب ، فوقع في رقعة : اما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك .
وكان هذا في ليلة الجمعة فأصبح المتوكل محموماً فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم الأثنين . فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه إسمه حتى ذكر له علي بن جعفر ( الهماني ) فقال لعبد الله ( بن الخاقان ) لِمَ لَمْ تعرض علي أمره ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً قال : خل سبيله الساعة وسله ان يجعلني في حل فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن (ع) فجاور بها 54 .
وقد وقع خلاف بين علي بن جعفر وبين شخص كان ينافسه في زعامة الشيعة إسمه فارس . فكتب بعضهم إلى الإمام العسكري يسأله عنهما فجاء الكتاب بتوثيق علي بن جعفر وكان ضمن الكتاب : قد عظّم الله قدر علي بن جعفر . متعنا الله تعالى به وأضاف ، فأقصد علي بن جعفر بحوائجك . واخشوا فارساً وامتنعوا في ادخاله في شيء من أموركم 55 .
ومن هذا التوقيع يتبين كيف كان الأئمة (ع) يديرون شؤون الطائفة من خلال وكلائهم ، ويكرسون المرجعية الدينية في اوساطهم .
12 ـ محمد بن الحسن الصفار الذي كان وجهاً من وجوه الشيعة في قم وكان ثقة عظيم القدر وقد ألف عشرات الكتب حفظ فيها أحاديث أهل البيت (ع) في مختلف الحقول . وقد كانت له مراسلات مع الإمام العسكري (ع) 56 .
13 ـ الفضل بن شاذان الذي كان من أكثر الشيعة انتاجاً ، وقالوا ان بعض مؤلفاته قد حظيت برضا الإمام العسكري (ع) وانه كتب فيه : هذا صحيح ينبغي ان يعمل به . وقالوا : ان الإمام (ع) نظر في بعض مؤلفاته وقال : ” اغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ” 57 .
14 ـ عثمان بن سعيد العمري الذي كان من أعمدة النظام المرجعي في عهد الإمام العسكري (ع) وقد أشار الأئمة بمقامه . وكان عظيم الشأن عند الطائفة وقد كان الإمام الهادي (ع) يرجع الطائفة إليه . حسبما جاء في رواية أحمد بن إسحاق القمي قال :
دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت يا سيدي أين أغيب وأشهد ، ولا يتهيأ لي للوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من نقبل ، وامر من نمتثل ؟ فقال لي صلوات الله عليه : ” هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعني يقوله . وما أداه إليكم فعني يؤديه ” .
فلما مضى أبو الحسن (ع) ، وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري (ع) ذات يوم ، فقلت مثل قولي لأبيه ، فقال لي : ” هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ن وما أدى إليكم فعني يؤديه ” 58 .
وبعد الإمام العسكري تولى عثمان بن سعيد مقام النيابه عن سيدنا ومولانا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مده خمسين سنة حيث كان جسراً بين الطائفة وبين الإمام الغائب (ع) .
15 ـ علي بن بلال الذي كان من وجوه الشيعة في الواسط ( فيما يبدو ) وقد اعتمده الأئمة (ع) في رسائلهم . وقد جاء في بعض الرسائل الواردة إليه من الإمام العسكري (ع) : ” وقد أعلم انك شيخ ناحيتك ، فاحببت أفرادك واكرامك بالكتاب بذلك ” .
وجاء في رسالة منه موجهة إلى إسحاق ( احد أصحابه ) : ” يا إسحاق أقرأ كتابنا على البلالي رضي الله عنه فانه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه ” 59 .
16 ـ العمري ، نجل عثمان بن سعيد الذي كان ـ كما والده ـ من أعمدة النظام المرجعي الذي أقامه أئمة الهدى (ع) في الطائفة حيث جعلوه معتمداً من قبلهم في شؤون الشيعة وقد سأل أحمد بن إسحاق الإمام العسكري ، وقال : من أعامل ، أو عمَّن آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال (ع) : ” العمري ـ عثمان بن سعيد ، وابنه ـ يعني محمد ـ ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان ” 60 .
وورد التوقيع من لدن الإمام الحجة المنتظر (ع) عند وفاة والده جاء فيه : ” أجزل الله لك الثواب ، وأحسن إليك العزاء ، رزيت ورزينا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته ، ان رزقه الله ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بامره ويترحم عليه ” 2 .
هؤلاء هم بعض وكلاء الإمام ونوابه والذين بهم ترسخت أعمدة النظام المرجعي في الأمة . ذلك النظام الذي يعتبر منهجاً في التحرك السياسي ، وسبيلاً قويماً للدعوة إلى الله ، وتنظيماً رسالياً للمجتمع . كما انه يصلح ان يكون نظاماً سياسياً للأمة إذا عاد الحكم إلى أهله .
وينبعث النظام المرجعي ، كما نظام الإمامة من صميم الدين ، إذ انه تنظيم بعيد عن الطائفية والعشائرية . كما هو بعيد عن الروح الحزبية والفئوية . ولا تزال الطائفة الشيعية تعيش في ظل هذا التنظيم الرسالي منذ عهد الأئمة الأطهار (ع) وتتمتع بكفائته العالية ، بالرغم من ان تخلف الأمة قد سبَّب قدراً من التوقف فيه ، وعدم التسارع إلى التطور في بعض جوانبه .. .
ولان عهد الإمام العسكري قد تميَّز بتكريس هذه القيادة للطائفة ، ولان هذه القيادة لا تزال حتى اليوم تتصدى لشؤون الطائفة الدنيوية والأخروية ، فمن المناسب أن نتحدث قليلاً عن واقع المرجعية وأبعادها بكلمات :
أولاً : لأن المرجعية نظام إلهي وتكمن قوة تنفيذ أوامرها من فطرة الإنسان ، ووجدانه وروح التقوى في ذاته . فان هذا النظام يكون منسجماً مع سائر الأحكام الشرعية التي تنفذ هي الأخرى بروح التقوى .
ان السياسة في الإسلام ـ كما المجتمع والشؤون الشخصية ـ محراب عبادة . ومعراج المؤمن إلى الله . فمن أجل الله يطيع المؤمن ولي أمره وفي سبيل الله ينبعث إلى القتال ضد أعداءه وابتغاءً لمرضاة الله ينضوي تحت راية الحركة الدينية وتنفيذ أوامرها . واتباعاً لأمر الله تراه يخالف الطاغوت .. ويتمرد ضد سلطة ظالمة ، ويبني كياناً سياسياً بديلاً . .
ومن هنا فان كلمة التقوى وليست حمية الجاهلية وعصبيتها الضيقة ، تضحى محور المجتمع الإسلامي . وقاعدة انطلاقه ، وآصرة الشد بين أركانه .. هكذا نقرأ في كتاب ربنا سبحانه : ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ 61.
وفرق كبير بين حمية الجاهلية وكلمة التقوى ـ إذ الحمية التي يسميها ابن خلدون العصبية ويجعلها سبباً للملك ومحوراً للمدينة ـ انها : تنبعث من قيم مادية ، وتبعث إلى الصراع والتناحر ، ولا تتناسب والأحكام الإلهية ذات القيم الإنسانية النقية عن شوائب الشرك والحقد والتحزب .
من هنا قال ربنا سبحانه : ﴿ … وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ … ﴾ 62.
وهكذا تصبح طاعة أولي الأمر ، امتداداً لطاعة الله والرسول ، بل تصبح تجسداً لهما ، ووسيلة إليهما . فأنى يمكن طاعة الله ورسوله من دون طاعة تلك القيادة التي أمر الله بها !
ثانيا : لان أساس بناء المرجعية ، التقوى ، لا الحمية ، فإنَّ هذا الكيان يتجاوز الأرض والدم واللغة ، وسائر الفوارق المادية التي تفصل بين الناس ، ويُنشأ المجتمع الإسلامي النقي ، الذي يقوم على أساس طاعة الإمام الحق ( ولي أمر المسلمين ) ويكون جسراً بين سائر الأمم . ووسيلة لتقاربهم ، ومحوراً لتجميعهم ، وبالتالي يُصبح المؤمنون بالشريعة ، فوق حواجز العرق والإقليم والمصلحة . شاهدين على الناس بالحق . قوّامين بينهم بالقسط ، كما قال ربنا سبحانه : ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا … ﴾ 63.
ان الحظيرة القُدسية التي تدعونا إليها رسالات السماء ، تجمع الأسود والأبيض ، الفقير والغنى ،العرب والعجم ، البعيد والقريب ، تجمعهم تحت ظل التوحيد ، وفي منزل صدق ، وعلى مائدة الرحمن ، وما المرجعية الرشيدة إلاّ اطاراً لهذا الجمع المبارك والوفد الميمون !
وإذا كانت رسالات الله عبر العصور تبشر البشر بمملكة الله في الأرض ، حيث يسود الحب والعدل والاحسان . فان التجمع المرجعي الحق صورة لتلك المملكة الموعودة . ترعاها عناية الرب سبحانه .
ثالثاً : ولأن محور التجمع في ظل المرجعية الرشيدة هو التقوى التي قال عنها ربنا سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ 64
لذلك ، فان الكفاءة والامامة هما الوسيلة الوحيدة لصعود الأفراد . لا الغنى والنسب والعرق والمحسوبيات ..
وهكذا تصبح الكفاءة والأمانة قصب السبق الذي يتنافس عليهما أبناء المجتمع فتعلو بذلك هممهم وتطلعاتهم ويحلق المجتمع عالياً في سماء المجد والعظمة . لان الكفاءة والأمانة هما كجناحي طائر لأي مجتمع متقدم يخفقان بالسعادة والفلاح .
وكلمة أخيرة
أن الله سبحانه قد أتم حجته البالغة على عباده بهذه المرجعية الرشيدة ولكنه لم يكرههم عليها ، كما لم يكرههم على سائر المبادىء والأحكام . والناس يسعدون بقدر قربهم من هذا النموذج الأسمى . اما إذا ابتعدوا عنه فقد تمت الحجة عليهم ! 65 .
- 1. بحار الأنوار : ( ج 50 ، ص 236 ) .
- 2. a. b. c. d. e. المصدر .
- 3. المصدر : ( ص 240 ) .
- 4. a. b. المصدر : ( ص 242 ) .
- 5. المصدر : ( ص 244 ) .
- 6. المصدر : ( ص 245 ) .
- 7. المصدر : ( ص 239 ) .
- 8. المصدر : ( ص 236 ) .
- 9. سيرة الأئمة الاثنى عشر : ( ص 490 ) .
- 10. المصدر : ( ص 482 ) .
- 11. بحار الأنوار : ( ج 50 ، ص 253 ) .
- 12. المصدر : ( ص 309 ) .
- 13. والمعتمد استخلف أكثر من ذلك ولعله بعد عدة من خلافته طلب من الإمام ذلك ، المصدر : (ص309) .
- 14. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 4، الصفحة: 404.
- 15. a. b. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 54، الصفحة: 157.
- 16. المصدر : ( ص 257 ) .
- 17. المصدر : ( ص 264 ) .
- 18. المصدر : ( ص 267 ) .
- 19. a. b. المصدر : ( ص 268 ) .
- 20. المصدر : ( ص 269 ) .
- 21. المصدر : ( ص 274 ) .
- 22. المصدر : ( ص 276 ) .
- 23. أي اليوم الخامس أو الثالث ، بعد خروج النصارى ، وهو السادس منذ البدء بالاستسقاء .
- 24. المصدر : ( ص 271 ) .
- 25. a. b. المصدر : ( ص 294 ) .
- 26. المصدر : ( ص 299 ) .
- 27. بحار الأنوار : ( ج 50 ، ص 283 ) .
- 28. لعلها كانت داراً يجلس فيها للعامة .
- 29. المصدر : ( ص 290 ) .
- 30. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 116، الصفحة: 234.
- 31. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 117، الصفحة: 234.
- 32. حياة الإمام العسكري : ( ص 217 ) .
- 33. المصدر : ( ص 246 ) .
- 34. المصدر : ( ص 231 ) .
- 35. المصدر : ( ص 192 ) نقلاً عن عيون التواريخ 6 / ورقة 170 مصدر في مكتبة الإمام أمير المؤمنين بالنجف الأشرف .
- 36. المصدر : ( ص 195 ) نقلاً عن طبقات ابن المعتز : ( ص 377 ) .
- 37. المصدر : ( ص 234 ) نقلاً عن مقاتل الطالبيين .
- 38. المصدر : ( ص 216 ) عن ابن الأثير : ( ج5 ، ص 314 ـ 316 ) .
- 39. المصدر : ( ص 220 ـ 221 ) نقلاً عن المناقب : ( ج 4 ، ص 424 ) .
- 40. المصدر : ( ص 254 ) نقلاً عن مهج الدعوات : ( ص 274 ) .
- 41. المصدر : ( ص 267 ) عن الإرشاد : ( ص 383 ) .
- 42. المصدر : ( ص 267 ) عن الارشاد : ( ص 383 ) .
- 43. المصدر : ( ص 268 ) نقلا عن الإرشاد : ( ص 383 ) .
- 44. المصدر : ( ص 263) .
- 45. حياة الإمام الحسن العسكري لمؤلفه الأستاذ باقر شريف القرشي : ( ص 131 ) .
- 46. المصدر : ( ص 135 ) .
- 47. المصدر : ( ص 136) .
- 48. المصدر : ( ص 141 ) .
- 49. المصدر : ( ص 142) .
- 50. المصدر : ( ص 144 ) .
- 51. المصدر : ( ص 148 ) .
- 52. المصدر : ( ص 150 ) .
- 53. المصدر : ( ص 151 ) .
- 54. المصدر : ( ص 156 ) .
- 55. المصدر : ( ص 157 ) .
- 56. المصدر : ( ص 165 ) .
- 57. المصدر : ( ص 161 ) .
- 58. المصدر : ( ص 153 ) .
- 59. المصدر : ( ص 155 ) .
- 60. المصدر : ( ص 168 ) .
- 61. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 26، الصفحة: 514.
- 62. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
- 63. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 143، الصفحة: 22.
- 64. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 13، الصفحة: 517.
- 65. الإمام العسكري ( عليه السلام ) قدوة و أسوة ، آية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : مكتب آية الله المدرسي ، القطع : رقعى ، الطبعة الخامسة .