محاسن الكلام

(٢){لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ١٢‮} الحاقة

و الإنسان يشارك سائر الأنواع المادية في أن له استكمالا تكوينيا و سلوكا وجوديا نحو كماله الوجودي بالهداية الربوبية التي تسوقه نحو غايته المطلوبة و يختص من بينها بالاستكمال التشريعي فإن للنفس الإنسانية استكمالا من طريق أفعالها الاختيارية بما يلحقها من الأوصاف و النعوت و تتلبس به من الملكات و الأحوال في الحياة الدنيا و هي غاية وجود الإنسان التي تعيش بها عيشة سعيدة مؤبدة.

و هذا هو السبب الداعي إلى تشريع السنة الدينية بإرسال الرسل و إنزال الكتب و الهداية إليها «لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اَللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ اَلرُّسُلِ‌» : النساء: ١٦٥، و قد تقدم تفصيله في أبحاث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب و غيره، و هذه هداية بمعنى إراءة الطريق و إعلام الصراط المستقيم الذي لا يسع الإنسان إلا أن يسلكه، قال تعالى: «إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً» : الدهر: ٣، فإن لزم الصراط و سلكه حي بحياة طيبة سعيدة و إن تركه و أعرض عنه هلك بشقاء دائم و تمت عليه الحجة على أي حال، قال تعالى: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ‌» : الأنفال: ٤٢.

إذا تقرر هذا تبين أن من سنة الربوبية هداية الناس إلى سعادة حياتهم بإراءة الطريق الموصل إليها، و إليها الإشارة بقوله: « لِنَجْعَلَهٰا لَكُمْ تَذْكِرَةً‌ » فإن التذكرة لا تستوجب التذكر ممن ذكر بها بل ربما أثرت و ربما تخلفت.

و من سنة الربوبية هداية الأشياء إلى كمالاتها بمعنى إنهائها و إيصالها إليها بتحريكها و سوقها نحوه، و إليها الإشارة بقوله: « وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ‌ » فإن الوعي المذكور من مصاديق الاهتداء بالهداية الربوبية و إنما لم ينسب تعالى الوعي إلى نفسه كما نسب التذكرة إلى نفسه لأن المطلوب بالتذكرة إتمام الحجة و هو من الله و أما الوعي فإنه و إن كان منسوبا إليه كما أنه منسوب إلى الإنسان لكن السياق سياق الدعوة و بيان الأجر و المثوبة على إجابة الدعوة و الأجر و المثوبة من آثار الوعي بما أنه فعل للإنسان منسوب إليه لا بما أنه منسوب إلى الله تعالى.

و يظهر من الآية الكريمة أن للحوادث الخارجية تأثيرا في أعمال الإنسان كما يظهر من مثل قوله: «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ اَلْقُرىٰ آمَنُوا وَ اِتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ‌» : الأعراف: ٩٦ أن لأعمال الإنسان تأثيرا في الحوادث الخارجية و قد تقدم بعض الكلام فيه.

الميزان في تفسير القرآن
ج ١٩ ص ٣٩٤.
__

مدرسةأهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى