محاسن الكلام

(٢){الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ(٨٢)} الأنعام

و ذلك أن الظلم و إن كان المظنون أن أول ما انتقل إليه الناس من معناه هو الظلم الاجتماعي و هو التعدي إلى حق اجتماعي بسلب الأمن من نفس أحد من أفراد المجتمع أو عرضه أو ماله من غير حق مسوغ لكن الناس توسعوا بعد ذلك فسموا كل مخالفة لقانون أو سنة جارية ظلما بل كل ذنب و معصية لخطاب مولوي ظلما من المذنب بالنسبة إلى نفسه بل المعصية لله سبحانه لما له من حق الطاعة المشروع بل مخالفة التكليف ظلما و إن كان عن سهو أو نسيان أو جهل و إن لم يبنوا على مؤاخذة هذا المخالف و عقابه على ما أتى به بل يعدون من خالف النصيحة و الأمر الإرشادي و لو اشتبه عليه الأمر و أخطأ في مخالفته من غير تعمد ظالما لنفسه حتى أن من سامح في مراعاة الدساتير الصحية الطبية أو خالف شيئا من العوامل المؤثرة في صحة مزاجه و لو من غير عمد عد ظالما لنفسه و إن كان ظلما من غير شعور، و الملاك في جميع ذلك التوسع في معنى الظلم من جهة تحليله.

و بالجملة للظلم عرض عريض كما عرفت لكن ما كل فرد من أفراده بمؤثر أثرا سيئا في الإيمان فإن أصنافه التي لا تتضمن ذنبا و معصية و لا مخالفة مولوية كما إذا كان صدوره عن سهو أو نسيان أو جهل أو لم يشعر بوقوعه مثلا فتلك كلها مما لا يؤثر في الإيمان الذي شأنه التقريب من السعادة و الفلاح الحقيقي و الفوز برضى الرب سبحانه و هو ظاهر فتأثير الإيمان أثره لا يشترط بعدم شيء من ذلك.

فقوله: « اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولٰئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ‌ » معناه اشتراط الإيمان في إعطائه الأمن من كل ذنب و معصية يفسد أثره بعدم الظلم غير أن هاهنا دقيقة و هي أن الذنب الاختياري كما استوفينا البحث عنه في آخر الجزء السادس من الكتاب أمر ذو مراتب مختلفة باختلاف الأفهام فمن الظلم ما هو معصية اختيارية بالنسبة إلى قوم و ليس بها عند آخرين. فالواقف في منشعب طريقي الشرك و التوحيد مثلا و هو الذي يرى أن للعالم صانعا هو الذي فطر أجزاءها و شق أرجاءها و أمسك أرضها و سماءها، و يرى أنه نفسه و غيره مخلوقون مربوبون مدبرون، و أن الحياة الإنسانية الحقيقية إنما تسعد بالإيمان به و الخضوع له فالظلم اللائح لهذا الإنسان هو الشرك بالله و الإيمان بغيره بالربوبية كالأصنام و الكواكب و غيرها على ما يثبته إبراهيم (ع) بقوله: « وَ كَيْفَ أَخٰافُ مٰا أَشْرَكْتُمْ وَ لاٰ تَخٰافُونَ أَنَّكُمْ‌ أَشْرَكْتُمْ بِاللّٰهِ مٰا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطٰاناً » فالإيمان الذي يؤثر أثره بالنسبة إلى هذا الإنسان إنما يشترط في إعطائه الأمن من الشقاء بأن لا يلبسه ظلم الشرك و معصيته.

الميزان في تفسير
القرآن ج ٧ ص ١٩٩.
__

مدرسةأهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى