محاسن الكلام

(٢){أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَ جَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(١٢٢)} الأنعام

و لما كان الإيمان يدعو الإنسان إلى أن يبني نفسه، فانه يزيح عن عينيه أغشية الأنانية و التعصب و المعاندة و الأهواء، و يريه حقائق ما كان قادرا على إدراكها من قبل.

إنّه في ضوء هذه النّور يستطيع أن يميز مسيرة حياته بين الناس، و أنّ يصون نفسه و يحافظ عليها و يحصنها ضد ما يقع فيه الآخرون من أخطار الطمع و الجشع و الأفكار المادية المحدودة، و الوقوف بوجه أهوائه و كبح جماحها.

إنّ ما نقرأه في الأحاديث الإسلامية من أنّ «المؤمن ينظر بنور اللّه» إشارة إلى هذه الحقيقة، إنّ مجرّد الوصف غير قادر على تبيان خصائص هذه الرؤية الإيمانية التي يمنحها اللّه للإنسان، بل ينبغي أن يذوق الإنسان طعمها لكي يدرك بنفسه مغزى هذا القول و يحس به.

ثمّ تقارن الآية بين هذا الإنسان الحي، الفعال، النير، و المؤثر، بالإنسان العديم الإيمان و المعاند، فتقول: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا .

نلاحظ أنّ الآية لا تقول: «كمن في الظّلمات» بل تقول: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ‌ يقول بعضهم: إنّ الهدف من هذا التعبير هو إثبات أنّ هؤلاء الأفراد غارقون في الظّلمات و التعاسة إلى الحد الذي جعلهم مثلا يعرفه المدركون. و قد يكون ذلك إشارة إلى معنى أدق هو: أنّه لم يبق من وجود هؤلاء الأفراد سوى شبح، أو قالب، أو مثال أو تمثال، لهم هياكل خالية من الروح و أدمغة معطلة عن العمل.

لا بدّ من القول أيضا إنّ «النّور» الذي يهدي المؤمنين جاء بصيغة المفرد، بينما «الظّلمات» التي يعيش فيها الكافرون جاءت بصيغة الجمع، و ذلك لأنّ الإيمان ليس سوى حقيقة واحدة، و هو يرمز إلى الوحدة و التوحيد، بينما الكفر و عدم الإيمان مدعاة للتشتت و التفرقة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج ٤ ص ٤٥٠.
__

مدرسةأهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى