محاسن الكلام

(١){يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(١٦)} المائدة

و قد قيد تعالى قوله: « يَهْدِي بِهِ اَللّٰهُ‌» بقوله: « مَنِ اِتَّبَعَ رِضْوٰانَهُ‌» و يئول إلى اشتراط فعلية الهداية الإلهية باتباع رضوانه، فالمراد بالهداية هو الإيصال إلى المطلوب، و هو أن يورده الله تعالى سبيلا من سبل السلام أو جميع السبل أو أكثرها واحدا بعد آخر.

و قد أطلق تعالى السلام فهو السلامة و التخلص من كل شقاء يختل به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة، فيوافق ما وصف القرآن الإسلام لله و الإيمان و التقوى بالفلاح و الفوز و الأمن و نحو ذلك، و قد تقدم في الكلام على قوله تعالى: « اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ‌» : (الحمد: ٦) في الجزء الأول من الكتاب أن لله سبحانه بحسب اختلاف حال السائرين من عباده سبلا كثيرة تتحد الجميع في طريق واحد منسوب إليه تعالى يسميه في كلامه بالصراط المستقيم قال تعالى: « وَ اَلَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا وَ إِنَّ اَللّٰهَ لَمَعَ اَلْمُحْسِنِينَ‌» : (العنكبوت: ٦٩)، و قال تعالى: « وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا اَلسُّبُلَ‌ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‌» : (الأنعام: ١٥٣) فدل على أن له سبلا كثيرة لكن الجميع تتحد في الإيصال إلى كرامته تعالى من غير أن تفرق سالكيها و يبين كل سبيل سالكيه عن سالكي غيره من السبل كما هو شأن غير صراطه تعالى من السبل.

فمعنى الآية و الله العالم : يهدي الله سبحانه و يورد بسبب كتابه أو بسبب نبيه من اتبع رضاه سبلا من شأنها أنه يسلم من سار فيها من شقاء الحياة الدنيا و الآخرة، و كل ما تتكدر به العيشة السعيدة.

فأمر الهداية إلى السلام و السعادة يدور مدار اتباع رضوان الله، و قد قال تعالى: «وَ لاٰ يَرْضىٰ لِعِبٰادِهِ اَلْكُفْرَ» : (الزمر: ٧)، و قال: « فَإِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَرْضىٰ عَنِ اَلْقَوْمِ اَلْفٰاسِقِينَ‌»: (التوبة: ٩٦) و يتوقف بالآخرة على اجتناب سبيل الظلم و الانخراط في سلك الظالمين، و قد نفى الله سبحانه عنهم هدايته و آيسهم من نيل هذه الكرامة الإلهية بقوله: « وَ اَللّٰهُ‌ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّٰالِمِينَ‌» : (الجمعة: ٥) فالآية أعني قوله: « يَهْدِي بِهِ اَللّٰهُ مَنِ اِتَّبَعَ رِضْوٰانَهُ‌ سُبُلَ اَلسَّلاٰمِ‌» تجري بوجه مجرى قوله: « اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولٰئِكَ لَهُمُ‌ اَلْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‌» : (الأنعام: ٨٢).

الميزان في تفسير القرآن
ج ٥ ص ٢٤٤.
__

مدرسةأهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى