محاسن الكلام

(١){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(٨)} المائدة

اتصال الآيات ظاهر لا غبار عليه، فإنها سلسلة خطابات للمؤمنين فيما يهمهم من كليات أمورهم في آخرتهم و دنياهم منفردين و مجتمعين.

قوله تعالى : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ لِلّٰهِ شُهَدٰاءَ بِالْقِسْطِ وَ لاٰ يَجْرِمَنَّكُمْ‌ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلىٰ أَلاّٰ تَعْدِلُوا» الآية نظيره الآية التي في سورة النساء «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَ لَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ اَلْوٰالِدَيْنِ وَ اَلْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّٰهُ أَوْلىٰ بِهِمٰا فَلاٰ تَتَّبِعُوا اَلْهَوىٰ أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيراً» : (النساء: ١٣٥). و إنما الفرق بين الآيتين أن آية النساء في مقام النهي عن الانحراف عن العدل في الشهادة لاتباع الهوى بأن يهوى الشاهد المشهود له لقرابة و نحوها، فيشهد له بما ينتفع به على خلاف الحق، و هذه الآية أعني آية المائدة في مقام الردع عن الانحراف عن العدل في الشهادة لشنآن و بغض من الشاهد للمشهود عليه، فيقيم الشهادة عليه يريد بها نوع انتقام منه و دحض لحقه.

و هذا الاختلاف في غرض البيان هو الذي أوجب اختلاف القيود في الآيتين: فقال في آية النساء: « كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ‌» و في آية المائدة: « كُونُوا قَوّٰامِينَ لِلّٰهِ‌ شُهَدٰاءَ بِالْقِسْطِ .

و ذلك أن الغرض في آية المائدة لما كان هو الردع عن الظلم في الشهادة لسابق عداوة من الشاهد للمشهود عليه قيد الشهادة بالقسط، فأمر بالعدل في الشهادة و أن لا يشتمل على ظلم حتى على العدو بخلاف الشهادة لأحد بغير الحق لسابق حب و هوى، فإنها لا تعد ظلما في الشهادة و انحرافا عن العدل و إن كانت في الحقيقة لا تخلو عن ظلم و حيف، و لذلك أمر في آية المائدة بالشهادة بالقسط، و فرعه على الأمر بالقيام لله، و أمر في آية النساء بالشهادة لله أي أن لا يتبع فيها الهوى، و فرعه على الأمر بالقيام بالقسط.

و لذلك أيضا فرع في آية المائدة على الأمر بالشهادة بالقسط قوله: « اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ‌» فدعا إلى العدل، و عده ذريعة إلى حصول التقوى، و عكس الأمر في آية النساء ففرع على الأمر بالشهادة لله قوله: « فَلاٰ تَتَّبِعُوا اَلْهَوىٰ أَنْ تَعْدِلُوا» فنهى عن اتباع الهوى و ترك التقوى، و عده وسيلة سيئة إلى ترك العدل.

ثم حذر في الآيتين جميعا في ترك التقوى تحذيرا واحدا فقال في آية النساء: « وَ إِنْ‌ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيراً» أي إن لم تتقوا، و قال في آية المائدة: «وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ إِنَّ اَللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ‌».

الميزان في تفسير القرآن
ج ٥ ص ٢٣٦.
__

القسط
مدرسةأهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى