مقالات

ما ينبغي للإنسان أن يربيه من وجهة نظر الإسلام

هناك مسألة أساسية تدور حول ما ينبغي للإنسان أن يربيه من وجهة نظر الإسلام؟ فللإنسان جسم ومجموعة من القوى الجسمانية وهناك البعد الروحاني والقوى الروحانية. وفي علم النفس فإن كلاً من تلك القوى تعتبر استعدادات واقعية تختلف عن الأخرى.

تنمية الجسم في الإسلام‏

المسألة الأولى في هذا المجال هل أن الإسلام اعتنى بتربية الجسد أم لا؟ فمن الممكن أن يقال كلا، إن الإسلام اهتم بالجانب الآخر، وقد ذم من يهتم بجسده وتربية جسمه ولهذا لا ينبغي أن يعتني الإنسان بتربية هذا الجانب إطلاقاً.
ثم يقول وبما أن التربية تعني التكامل، فإن الجسد لا ينبغي تربيته وهذا ما يدينه ويرفضه الإسلام.
ولكن هذه مغالطة لفظية، ففي الإسلام لا تعتبر تربية الجسم بالمفهوم الصحيح للعبارة- أي تنميته وتقوية قواه- غير مذمومة فحسب وإنما هي ممدوحة.
مثلاً: في نظر الإسلام هل أن القيام بالعلم الذي من شأنه تقوية البصر جيد أم؟ مما لا شك فيه أن تقوية حاسة البصر أمر مطلوب وجيد. ولهذا نجد في رواياتنا وأحاديثنا العديد من الكلمات التي تنهى الإنسان عن القيام بالأمور التي تضعف بصره وتحثه على القيام بالأعمال المفيدة للبصر. أو كما نقرأ في الدعاء: “اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعل النور في بصري والبصيرة في ديني”.
بل أن الإنسان الذي يتعمد أضعاف نور بصره يكون قد ارتكب حراماً وجرماً. وكذلك بالنسبة للأسنان حيث جاءت التوصيات الأكيدة بضرورة السواك أو النهي عن الإكثار من تناول صنف معين كالخضار الذي يضر باللثة و…
إن تقوية الجسم بمعنى القدرة والصحة أمر قد حث عليه الإسلام، وتلك النواهي التي جاءت بشأن الإكثار من الطعام والتزود بالقليل لماذا؟
“المعدة بيت كل داء والحمية رأس كل دواء”. لو كان ذلك تنمية اللجسم فليترك المرء يأكل ما يريد حتى ينهدم بدنه.
حتى أن فلسفة العديد من الأمور كالنظافة والإغتسال والأوامر الكثيرة حول الصحة إنما هي لتقوية الجسم التي هي من ضروريات الإسلام تقريباً.
أما ما يقف الإسلام ضده فهو تنمية الشهوة والحس المادي. وما أكثر ما تكون تنمية هذه الأمور في النهاية تهديماً للصحة والجسد. فذلك الذي يكون أكثر همه تلبيه شهواته وملذاته الجسدية، فإن أول النتائج التي يحصدها هي تدمير صحته وجسمه. وفي أغلب الأحيان تكون التربية الواقعية للجسم ملازمة لتحمل نوع من الحرمان المادي.
إذن لا ينبغي أن نقع في الاشتباه ونظن أن ما يحاربه الدين هو الجسد بسبب مخالفته لتربية الشهوة والأنانية.
أما إذا كان كل هم الإنسان هو تقوية جسمه، فليس النقص في عمله هو أنه أهمل أسنانه مثلاً، وإنما إهماله لجوانب أخرى. فالشي‏ء السيىء عند مثل هؤلاء هو “الحصر”.
مثلما يحصل عندما نجد ابننا الصغير يقضي كل وقته في اللعب فننزعج ونتألم من ذلك، ولكن هذا لا يعني أنكم تعارضون لعب الأولاد كلياً. بل إنكم إذا وجدتموه يوماً بعيداً عن اللعب، فإنكم تظنون أن به أمراً أو مرضاً.
وإضعاف الجسم في المناهج غير الإسلامية مثل المنهج الهندي المعروف- أمر مطلوب. فهم يعارضون تقوية الجسد وليس فقط تقوية الشهوة.
أما في الإسلام فإن تقوية الجسد وسيلة وليست هدفاً. فعندما يكون الإنسان سليم الجسم يحصل على عقل سليم أيضاً.
والآن لننتقل إلى الجوانب الروحية.

القابليات الروحية في الإنسان‏

قبل أي شي‏ء ينبغي أن نلاحظ من الناحية العلمية القابليات الإنسانية، بمعنى أن الإنسان بما هو إنسان ماذا يمتلك من قابليات كامنة مما ينبغي أن يبرز؟ ثم ننظر إلى الإسلام بماذا اعتنى من تلك القابليات وما هي نظرته إليها؟
في هذا المجال تقدّمت المدارس العديدة بنظريات مختلفة، ولعلّ علماء النفس في هذا العصر الذين كانت لهم مطالعات عديدة حول الروح والنفس الإنسانية قد بينوا هذا الأمر بصورة أكثر جامعية.

في آخر مقالة في العدد الأول من النشرة السنوية “مدرسة التشيع” والتي نشرت قبل حوالي 12 سنة بترجمة المهندس بياني مع مقدمة المهندس بازركان تحت عنوان “الدين، البعد الرابع لروح الإنسان”. في هذه المقالة طرحت إحدى النظريات الحديثة في علم النفس متسندة في معظمها إلى آراء “يونغ” والتي تقول أن الإنسان يمتلك أربعة أبعاد ويقصد منها القابليات التالية:
1- القابلية العقلية: العلم والبحث عن الحقيقة.
2- القابلية الأخلاقية: (الوجدات الأخلاقي)، ويعتبرون هذا شيئاً أصيلاً في الإنسان حيث خلق الإنسان في أعماقهع أخلاقياً بمعنى أنه يشعر بحب الآخرين والسعي لخدمتهم ويتألم من الظلم والسوء.
وقد طرحت هذه المسألة منذ القديم وتساءلت حول منشأ الشعور بالرحمة أو الشفقة عند الإنسان تجاه الآخرين، هل هو فطرة الإنسان أم أنه حب الذات بحيث أننا عندما نتألم للآخرين يكون ذلك ناشئاً من خوفنا أن نقع في نفس الشي‏ء، وأننا إذا خدمنا الناس فلكي يخدمونا إذا احتجنا. أم أن هناك شيئاً آخراً.
3- البعد الديني: وقد ذكر في تلك المقالة أن القابلية والتوجه الديني هو أمر أصيل في الإنسان، يعبر عنه بالتقديس والعبادة وهو يختلف عن طلب الحقيقة والبحث عنها فهو شعور بالحاجة إلى الخضوع والخشوع والتقديس لحقيقة عالية.
4- البعد الفني والذوقي أو البعد الجمالي: وهو حب الجمال لأنه جميل. ويمكن أن يقال أن هناك بعداً خامساً وهو الخلاقية والإبداع الذي يشعر الإنسان فيه باللذة والسعادة.
والآن لنرَ ما هي التعاليم التي يطلقها الإسلام في مجال تربية الحس العلمي والبحث عن الحقيقة أو قوة التعقل والتفكير. وقد ذكرنا سابقاً أن الإسلام لم يهمل هذا المطلب أبداً بل حث عليه، وكذلك في مجال الاستعداد الديني حيث لا نشك بالتعاليم الكثيرة في العبادات والأدعية والأذكار والتوبة…

الإسلام والفن‏

ولكن ربما ذلك الأمر الذي يحتاج إلى البحث والإطلاع أكثر هو البعد الرابع من وجهة نظر الإسلام. هل أولى الدين عناية بحس الجمال والبعد الفني أم لا؟ وقد تصور البعض أن الإسلام في هذا المجال دين جامد وجاف، وبتعبير آخر أن الدين لا دخل له بالذوق. وبالطبع انطلق هؤلاء في تصوراتهم لأنهم رأوا الإسلام ينهى عن الغناء والاستفادة من النساء كالرقص والنحت وغيره.
ولكن الحكم بهذه الصورة ليس عملاً صحيحاً. نحن ينبغي أن نراجع الموارد التي نهى الإسلام عنها، هل كان النهي بسبب ارتباطها بالجمال، أم أن هناك شيئاً آخراً يخالف القابليات الفردية أو الاجتماعية؟ ثم لننظر أيضاً هل خالف الإسلام الفن في غير هذه الموارد الممنوعة؟

الغناء

قضية الموسيقى والغناء قضية مهمة وإن لم تعلم حدودها بدقة بعد، يضرب الفقهاء والأصوليون “الغناء” كمثال للموضوعات المجملة وهي التي لم تعلم حدودها بعد. ويقولون أن الموارد التي يعمل فيها بأصل البراءة عند فقدان النص أو إجماله أو تعارض النصين أو الشبهة الموضوعية وعندما يريدون أن يأتوا بمثال على “إجمال النص” يذكرون الغناء ولكن القدر المسلم في الغناء موجود وهو ما يوجب خفة العقل عند تهييج وإثارة الشهوات كما يحدث في الشراب. وتعبير “خفة العقل” مأخوذ من الفقهاء ومنهم “الشيخ الأنصاري” رحمة الله. فالمسلم أن الإسلام يريد أن يحفظ عقل الإنسان ويحرسه. والواقع يثبت هذا الأمر.
وقد ذكرت إحدى الصحف اليومية قصة طلاق بين رجل وامرأة ذكر فيها الزوج سبب طلاقه أن زوجته التي لم ترقص في حياتها أمام أحد من الرجال فعلت ذلك في أحد العرائس. وقد صدقت الزوجة قوله وقالت أنني عندما سمعت ذلك الطرب، لم أتمالك نفسي وقمت بالرقص.

الخليفة والجارية المغنية

يذكر المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أنه في زمان عبد الملك أو أحد خلفاء بني أمية شاع أمر اللهو والموسيقى، ووصل الخبر إلى الخليفة أن أحد الأشخاص يملك جارية مغنية قد أفسدت جميع شباب المدينة وإذا لم تتداركوا الأمر فسوف تفسد كل المدينة. فأمر الخليفة بأن يحضروا له تلك الجارية وصاحبها. وعندما وصلا قال الرجل: ليس معلوماً إن كان ما تفعله يعد غناءً وإذا أردت أن تعلم فامتحنها بنفسك. فأمرها الخليفة بالكلام. ولما شرعت بدأ رأس الحليفة بالاهتزاز. ولم يطل الوقت حتى جلس الخليفة على الأرض وبدأ بالمشي على يديه ورجليه وقال لها: تعالي، امتطي حصانك… في الواقع للغناء والموسيقى أثر عظيم وفائق وخاصة في تمزيق ستار التقوى والعفة.
وفي مسألة النحت وصناعة التماثيل فإن المنع ناشي‏ء من محاربة عبادة الأصنام. وقد نجح الإسلام في هذا الأمر. فلو صنع تمثال للرسول أو غيره لكان بدون شك اليوم معبوداً. وفي موضوع الرقص والنساء من الواضح أن القضية تعود إلى التقوى والعفة. ولهذا لا يجوز القول أن الإسلام يحارب الفن. ففي “الكافي” يوجد باب تحت عنوان “الزي والتجمّل”. وفي حديث: “إن الله جميل يحب الجمال”. وأعلى من ذلك “جمال البيان” الذي وصل في الإسلام إلى أعلى مستوى، بل الإسلام نفسه إعجاز في كلام القرآن 1.

  • 1. المصدر: مجلة بقية الله، العدد 14.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى