سيرة أهل البيت (ع)

كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر رحمه الله.

كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل مصر عندما ولّى عليهم مالك الأشتر رحمه الله..

يقول الإمام عليه السلام: “هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين عليه السلام مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولّاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها”.

يُحدّد الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر مسؤوليات الحكومة في ثلاث نقاط:
1- الأمن.
2- المصالح العامّة (الخدمات).
3- الإعمار.


والمسؤولية الأولى هي الأمن، من أعداء الداخل والخارج، وما لم يتوفّر للأمّة الأمن لا يستطيع أن يقدّم للناس الخدمات الأخرى.

ثمّ الخدمات والمصالح الاقتصادية والصحية والتعليمية والمعاشية، وما يشبه ذلك.

ثمّ الخدمات العمرانية، والبلدية، والطرق، والري، والمنشآت الصناعية، واستصلاح الأراضي، والاتصالات وغير ذلك.

وهذه المهام الثلاثة تحتاج إلى جباية الأموال التي تقوّم هذه المشاريع الثلاثة.

والإمام عليه السلام يشرح هذه النقطة في هذه الفقرة من عهده إلى مالك الأشتر رحمه الله بقوله: “جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها”.

نظام العلاقات الثلاث في ولاية الحاكم

ثم يُبيّن الإمام عليه السلام لمالك الأشتر رحمه الله نظام العلاقات الثلاث في حياة الحاكم، وهي:
1- العلاقة بالله تعالى.
2- العلاقة بالناس.
3- العلاقة بالنفس.


ويشرح الإمام هذه العلاقات الثلاث واحدة بعد أخرى.

1- في العلاقة بالله
يُحدّد الإمام العلاقة بالله تعالى بالطاعة لله، وتقوى الله، واتباع أوامر الله تعالى ونواهيه، وأن ينصر دين الله حتى ينصره الله، فيأمر بتقوى الله.

يقول عليه السلام في عهده: “أَمَرَهُ بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يُسعد أحد إلّا باتباعها، ولا يشقى إلّا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من ينصره وإعزاز من أعزّه”.

ثمّ يقول له: “وإياك ومساماة الله في عظمته والتشبّه به في جبروته، فإنّ الله يُذلّ كلّ جبار، ويُهين كلّ مختال”.

2- في العلاقة بنفسه
وهذه العلاقة تُمكّن الإنسان من العلاقة الأولى والعلاقة الثالثة، ولا تستقيم هذه ولا تلك إلّا إذا تمكّن الإنسان من العلاقة بنفسه.

ويُعطي الإمام، في عهده لمالك لهذه العلاقة قدراً كبيراً من الأهمّية فيأمره أن يملك هواه، ولا يأذن لهواه أن يملكه.

وليس بين هذا الملك وذلك أمر ثالث، فإذا ملك الإنسان هواه لم يملكه هواه، وإذا ملكه هواه لا يملك هواه، ولا ثالث بينهما.

يقول عليه السلام: “فاملك هواك”.

ثمّ يأمره عليه السلام أن يشحّ بنفسه عمّا لا يحلّ له، ويكون ضنيناً بنفسه، ولا يعطي نفسه للفتن بلا حساب ولا حدود… فإنّ قيمة العاقل بقدر ما يشحّ بنفسه من الفتن، وما يُعطي منها لله.

ومن إنصاف الإنسان لنفسه أن يشحّ بها في الفتن، ومن سوء الإنصاف أن يبذّر الإنسان بنفسه فيها. فليس شيء أعزّ على الإنسان من نفسه – إلّا الله ورسوله – فلا بدّ أن يكون شحيحاً بها.

يقول عليه السلام: “وشحْ بنفسك عمّا لا يحلّ لك، فإنّ الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت”.

ثمّ يأمره عليه السلام أن يكفّ جمحات نفسه وثورة أهوائه وشهواته…

يقول عليه السلام: “وقد أَمَرَهُ أن يكسر نفسه من الشهوات، ويزعها عند الجمحات، فإنّ النفس أمّارة بالسوء، إلّا ما رحم الله”.

يكفّها عند جمحات النفس وثوراتها، والنفس البشرية جموحة ثائرة، هائجة، فإذا لم يكسر صاحبها جموحها، ولم يتمكّن من هياجها ويسيطر عليها تملكه، وتقوده إلى الهلاك، وما لم يتمكّن الإنسان من أهوائه وشهواته لا يصحّ أن يتولّى أمراً من 
أمور المسلمين.

فمن لا يملك أمر نفسه لا يصلح أن يملك من أمور المسلمين شيئاً… وهذا هو معنى العدالة في الولاية.


* كتاب قبسات من الثقافة الإدارية في نهج البلاغة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى