محاسن الكلام

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ(٢٩)} الأعراف

قوله تعالى: « قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ اُدْعُوهُ‌ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ‌ » لما نفت الآية السابقة أن يأمر الله سبحانه بالفحشاء و ذكرت أن ذلك افتراء عليه و قول بغير علم لعدم انتهائه إلى وحي ما أوحى به الله بادرت هذه الآية إلى ذكر ما أمر به و هو لا محالة أمر يقابل ما استشنعته الآية السابقة و عدته فحشاء لما فيه من بلوغ القبح و الإفراط و التفريط فقال: « قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ » إلخ.

و القسط على ما ذكره الراغب هو النصيب بالعدل كالنصف و النصفة قال: « لِيَجْزِيَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ بِالْقِسْطِ » « وَ أَقِيمُوا اَلْوَزْنَ بِالْقِسْطِ » و القسط هو أن يأخذ قسط غيره، و ذلك جور و الإقساط أن يعطي قسط غيره، و ذلك إنصاف و لذلك قيل: قسط الرجل إذا جار و أقسط إذا عدل قال: « وَ أَمَّا اَلْقٰاسِطُونَ فَكٰانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً » و قال: « وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلْمُقْسِطِينَ‌ » انتهى كلامه.

فالمراد: قل أمر ربي بالنصيب العدل و لزوم وسط الاعتدال في الأمور كلها و أن تجتنبوا جانبي الإفراط و التفريط فأقسطوا و أنيبوا و أقروا نفوسكم عند كل معبد تعبدون الله فيه و ادعوه بإخلاص الدين له من غير أن تشركوا بعبادته صنما أو أحدا من آبائكم و كبرائكم بالتقليد لهم و هذا هو القسط في العبادة.

فقوله: « وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ » معطوف ظاهرا على مقول القول لأن معنى أمر ربي بالقسط: أقسطوا، فيكون التقدير: أقسطوا و أقيموا (إلخ)، و الوجه هو ما يتوجه به إلى الشيء، و هو في حال تمام النفس الإنسانية، و إقامتها عندها إيجاد القيام بالأمر لها أي إيفاؤه و الإتيان به كما ينبغي تاما غير ناقص فيئول معنى إقامة الوجه عند العبادة إلى الاشتغال بالعبادة و الانقطاع عن غيرها فيفيد قوله: « وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ » إذا انضم إليه قوله: « وَ اُدْعُوهُ‌ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ‌ » وجوب الانقطاع للعبادة عن غيرها و لله سبحانه عن غيره كما عرفت و من الغير الذي يجب الانقطاع عنه إلى الله سبحانه نفس العبادة، و إنما العبادة توجه لا متوجه إليها، و التوجه إليها يبطل معنى كونها عبادة و توجها إلى الله فيجب أن لا يذكر الناسك في نسكه إلا ربه و ينسى غيره.

الميزان في تفسير القرآن
ج ٨ ص٧٣.
__

مدرسةأهل البيت
اللهم عجل لوليك_الفرج
محاسن_الكلام

للانضمام إلى مجتمعنا على الواتس اب:
https://chat.whatsapp.com/HQ5StBT435DGhOlHxy1VhT

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى