مقالات

عَلاقةُ المَحبَّة بالعمل

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات
٢٣ إبريل ٢٠٢٣


يتمسَّك بعضُ الفسقة ممَّن يدَّعون التشيُّع ـ لتبرير مساوئهم ـ بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ حَسَنَةٌ لَا تَضُرُّ مَعَهَا شَيْ‏ءٌ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَإِنْ جَلَّت”، وفي لفظ آخر: “حُبُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَسَنَةٌ لَا تَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَة”. وهي ـ إضافة إلى ضعفها السندي ـ رواياتٌ متشابهةُ المعنى.

وخير جواب يبطل شبهتهم أن نذكر لهم ما رُوي عن النبي وأهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ في تفسير الحُبِّ وما يقتضيه، ولنذكر من ذلك نُبذةً يسيرة:

1 ـ رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام، أنه قال: “يَا جَابِرُ؛ أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ ـ يَا جَابِرُ ـ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّخَشُّعِ وَالْأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْغَارِمِينَ وَالْأَيْتَامِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَكَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ. قَالَ: جَابِرٌ: فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ؛ مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ! فَقَالَ: يَا جَابِرُ؛ لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً؟ فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ، فَرَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام، ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً، فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللهِ. لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ. أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ. يَا جَابِرُ؛ وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلَا عَلَى اللهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ. مَنْ كَانَ لِلهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ “. المصدر: الكافي 2 : 74 .

2 ـ رُوي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “من أحبَّنا فليعمل بعملنا وليستعن بالورع فإنَّه أفضل ما يُستعان به في أمر الدُّنيا والآخرة”. المصدر: الخصال للشَّيخ الصدوق 2 : 614 .

3 ـ رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “أَلَا فَمَنْ كَانَ مِنَّا فَلْيَقْتَدِ بِنَا، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِنَا الْوَرَعَ وَالِاجْتِهَادَ وَأَدَاءَ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَصِلَةَ الرَّحِمِ وَإِقْرَاءَ الضَّيْفِ وَالْعَفْوَ عَنِ الْمُسِيءِ، وَمَنْ لَمْ يَقْتَدِ بِنَا فَلَيْسَ مِنَّا”. المصدر: الاختصاص للشَّيخ المفيد، ص241.

4 ـ رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: “من ادَّعى حُبَّنا وهو لا يعمل بقولنا فليس منَّا ولا نحن منه”. المصدر: إرشاد القلوب 1 : 70 .

5 ـ رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:

تعصي الإله وأنت تظهر حُبَّه

هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبُّك صادقاً لأطعته

إنَّ المحبَّ لمن أحب مطيع

المصدر: تحف العقول، ص294.

6 ـ وفي الأمالي للشيخ الطوسي، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال في وصف الغُلاة الذين يدَّعون الانتماء فلا يقبلهم أهلُ البيت عليهم السلام: “إِلَيْنَا يَرْجِعُ الْغَالِي فَلَا نَقْبَلُهُ، وَبِنَا يَلْحَقُ الْمُقَصِّرُ فَنَقْبَلُهُ”. ثم قال (ع) بتفسير ذلك: “الْغَالِي قَدِ اعْتَادَ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ عَادَتِهِ وَعَلَى الرُّجُوعِ إِلَى‏ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَبَداً، وَإِنَّ الْمُقَصِّرَ إِذْ عَرَفَ عَمِلَ وَأَطَاعَ”. فدلَّ ذلك على أنَّ المعرفة تدعو إلى العمل، وأنَّ ترك العمل من الغلو. وفي الرواية نفسها: “إِنَّ الْغُلَاةَ لَشَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا”.

وقال العلَّامة المجلسي (بحار الأنوار 25 : 346) إنَّ من الغلوِّ “القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات”. وعدَّ ذلك من الإلحاد والكفر والخروج من الدِّين.

نكتفي بهذا القدر ممَّا يدلُّ على أنَّ الحبَّ والانتماء إلى أهل البيت عليهم السلام قد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً، ودليل الصدق هو تأثير الحبِّ والانتماء في سلوك المؤمن، فيكون سلوكه ـ أيضاً ـ موافقاً لما يُحبُّه أهلُ البيت ويرضونه من التقوى والاستقامة.

ومن ذلك يتبيَّن المعنى الصحيحُ للأحاديث المتشابهة التي تمسَّك بها أولئك الفسقة، فإنَّ المقصود بالمحبَّة فيها ما كان صادقاً، فإن المحبَّة حين تكون صادقة فإنها تدعو إلى التَّوبة من السيِّئات والإقلاع عن المعاصي، ولا ريب أنَّ التَّائب من الذَّنب كمن لا ذنب له، يُختم له بخير، ولا تضرُّه سيِّئاتُه التي تاب منها. وعلى فرض عدم تماميَّة التَّوبة من بعض السيِّئات؛ فإنَّ المحبَّة والانتماء الصادقَين يتجسَّدان في النَّدم وعدم الإصرار، إضافةً إلى تأثير الخوف والرجاء المتوازنين في قلب المؤمن، فتغلُب الصالحاتُ وتقلُّ السيِّئاتُ، فيكون المؤمنُ مستحقًّا لشفاعة الشافعين برضى ربِّ العالمين، وبذلك لا تضرُّه السيِّئات إن شاء الله تعالى. وفي هذا السياق يندرجُ قولُ بعضِ أهل العلم: إنَّ الضرر اليسير ينغمر في جنب الحاصل بمحبَّته من الخير الكثير. انظر: الصِّراط المستقيم 1 : 199.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى