1ـ عصر النهضة.. ثلاث دراسات
شكل عصر النهضة في المجال العربي الحديث حقلًا دراسيًّا لنمط من الكتابات والدراسات الفكرية والتاريخية، التي حاولت بصور عديدة تسليط الضوء على هذا العصر، الموصوف تارة بعصر النهضة، وتارة بعصر اليقظة، وتارة بعصر الإصلاح، في محاولة لتجديد الصلة بهذا العصر، وجعله عصراً حاضراً في الذاكرة العربية المعاصرة.
وقد ظلت هذه الكتابات والدراسات متتابعة، على ما بينها من تباعد زمني في بعض الفترات، لكنها شهدت قدراً من الاتصال والتراكم منذ النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين، وتصاعدت بدرجة ما خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ولعل الغالب في الانطباع العربي العام، أن أهم هذه الكتابات والدراسات تحددت في ثلاثة أعمال تقريباً، عُدَّت من المراجع المهمة في هذا الشأن، واكتسبت صفة الشهرة إلى جانب صفة الريادة، وهما الصفتان اللتان ظلتا تلازمان هذه الأعمال وتصاحباها عادة، متى ما ذكرت في الكتابات العربية.
وهذه الأعمال الثلاثة بحسب تعاقبها الزمني، هي:
- كتاب ألبرت حوراني (1334-1414هـ/1915-1993م)، الموسوم بـ(الفكر العربي في عصر النهضة) الصادر سنة 1962م.
- كتاب هشام شرابي (1927-2005م)، الموسوم بـ(المثقفون العرب والغرب.. عصر النهضة)، الصادر سنة 1970م.
- كتاب فهمي جدعان الموسوم بـ(أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث)، الصادر سنة 1979م.
ومن الانطباعات العربية الدالة على أهمية هذه الأعمال الثلاثة مجتمعة، ما أشار إليه الدكتور رضوان السيد، الذي اعتبر أن أهم الدراسات حول الفكر العربي النهضوي، هي: دراسة ألبرت حوراني (الفكر العربي في عصر النهضة)، ودراسة هشام شرابي (المثقفون العرب والغرب)، ودراسة فهمي جدعان (أسس التقدم عند مفكري الإسلام)1.
ومثل هذا الانطباع أشار إليه أيضاً الدكتور عبدالإله بلقزيز، الذي أعطى كتاب حوراني وصف الكتاب الرائد، وشبَّه كتاب شرابي بكتاب حوراني، واعتبر كتاب جدعان من أهم الدراسات في موضوعه2.
ومن الانطباعات التي جاءت متفرقة عن بعض هذه الأعمال الثلاثة، ما أشار إليه الدكتور هشام شرابي نفسه، الذي وصف كتاب حوراني بالكتاب الرائد، واعتبره مرجعاً لا غنى عنه لأي دراسة لتاريخ الفكر العربي الحديث3.
ومن جهته وصف الدكتور سعيد بن سعيد العلوي كتاب جدعان، بالكتاب الممتاز4.
ولأهمية هذه الأعمال الثلاثة، ولاعتباريتها الفكرية والتاريخية، ومنزلتها المرجعية في الدراسات العربية المعاصرة، كنا بحاجة إلى إجراء مقاربات ومقارنات وموازنات فيما بينها، وهذا ما سوف أقوم به، بطريقة استطلاعية وتحليلية ونقدية.
وقبل إجراء هذه الخطوة، لا بد من التمهيد لها بالتعريف بهذه الأعمال، حتى تتبين صورتها، وتتحدد هويتها، وتتكشف ملامحها، بالشكل الذي يجعل من الممكن إجراء مثل هذه المقاربات والمقارنات والموازنات، الاستطلاعية والتحليلية والنقدية5.
- 1. رضوان السيد، الصراع على الإسلام.. الأصولية والإصلاح والسياسات الدولية، بيروت: دار الكتاب العربي، 2004م، ص124.
- 2. عبدالإله بلقزيز، العرب والحداثة.. دراسة في مقالات الحداثيين، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007م، ص81.
- 3. هشام شرابي، المثقفون العرب والغرب، بيروت: دار النهار، 1991م، ص14.
- 4. سعيد بن سعيد العلوي، العدالة أولاً.. من وعي التغيير إلى تغيير الوعي، الرباط: كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس، 2014م، ص98.
- 5. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة الكلمة، مجلة فصلية، السنة الحادية والعشرون، العدد 84، صيف 2014م / 1435هـ