مدينة النجف هي تلك المدينة المقدسة، التي يهفو إليها قلب كل مسلم شوقاً لزيارتها، وتطلّعاً إلى بركاتها، وهي تلك المدينة التي احتضنت بكل حَدب وحنان ذلك الجسدَ الطاهر لأعظم شخصية بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الرجل الذي صنع تأريخ أمة، وإنسانية الإنسان, وكانت حياته ونضاله منعطف هداية، ومشعل رشاد ودراية لكل الأمم ولمختلف الشعوب.
وهي تلك المدينة التي تحملت أعظم المسؤوليات، واستُودعت أعظم وأغلى الأمانات، ولقد عرفت كيف تقوم بأعباء المسؤولية، وتحافظ على الأمانة، فدافعت وناضلت في سبيلها بكل ما أُوتيت من قوة وحول، وتحدّت الزمن، وتحمّلت كل النوائب والعوادي التي تنوء بأدناها دول، وتعجز عن تحملها أمم وشعوب.
وهي تلك المدينة التي تضمّ جثمان رجل لا تُحصى فضائله، ولا تُعدّ مناقبه، وكيف تُعدّ فضائل رجل أسرّ أولياؤه مناقبه خوفاً، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقَين، على حدّ تعبير الفراهيدي… وهو الذي لو اجتمع الناس على حبّه ـ كما يقول الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) :”لما خلق الله النار”.
وهي تلك البقعة التي تشرفت باكتناف رجل هو أفضل هذه الأمة مناقب، وأجمعها سوابق، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأشدها إخلاصاً لله، وتفانياً في سبيله, ذلك الرجل هو أسد الله الغالب، امامي وسيد الاولين والآخرين الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.
كما تعد محافظة النجف من اهم المحافظات في العراق حيث يوجد بها مرقد الامام على بن ابى طالب (عليه السلام) وكذلك مرقد ابنته السيدة خديجة بنت الامام على بن ابى طالب عليها السلام ومرقد كل من النبى صالح وهود عليهم السلام ومرقد الصحابى الجليل مسلم بن عقيل بن ابى طالب رضى الله عنه ويوجد بها كذلك بيت الامام على بن ابى طالب عليه السلام والكثير من قبور الصحابة رضى الله عنهم والتابعين ، وتبعد محافظة النجف عن العاصمة بغداد 161 كم وبها من الاثار الكثير اهمها سور النجف وقصر الخورنق والسدير وبحر النجف ومقبرة النجف الملقبة بـ (وادى السلام). وتقع المدينة على حافة الهضبة الغربية من العراق، جنوب غرب العاصمة بغداد, وعلى بعد 161 كم عنها. وترتفع المدينة 70م فوق مستوى سطح البحر، و يحدها من الشمال والشمال الشرقي مدينة كربلاء (التي تبعد عنها نحو 80 كم)، ومن الجنوب والغرب منخفض بحر النجف، وأبي صخير (الذي تبعد عنه نحو 18 كم)، ومن الشرق مدينة الكوفة (التي تبعد عنها نحو 10 كم). كانت النجف قبل الفتح الاسلامي تنتشر فيها الاديرة المسيحية وتنطق بالآرامية، وتمصرت البلدة واتسع نطاقها وازدحم سكانها بفضل وجود قبر الامام علي (عليه السلام) الذي اعطى للمدينة طابع القدسية والاحترام وأصبحت مركزاً للزعامة الدينية ومحطاً لأهل العلم.
النجف في المعجم اللغوي
ورد في الصحاح للجوهري أن “النجف والنجفة بالتحريك مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد والجمع نجاف”[1] وفي لسان العرب أن “النجفة شبه التل ومنه حديث عمرو بن العاص أنه جلس على منجاف السفينة قيل هو سكانها الذي تعدل به سمي به لارتفاعه. قال الأزهري: والنجفة التي بظهر الكوفة وهي كالمسناة تمنع مسيل الماء أن يعلو منازل الكوفة ومقابرها”[2].
اسماء النجف:
وقد كانت تدعى بـ”ظهر الكوفة”.. ولها اسماء عديدة أخرى كـ(بانقيا، والربوة، والغربي، والطور، والغري، والجودي، ولكن غلب عليها اسم النجف)، وهي بلدة عربية كانت قديما مصيفا للمناذرة (ملوك الحيرة) قبل الفتح الإسلامي تنتشر فيها الأديرة ومحال العبادة.. ثم تمصرت واتسع نطاقها وازدحم سكانها.. والنجف اسم عربي معناه المنجوف وجمعه نجاف وهو المكان الذي لا يعلوه الماء.. اذ انها ارض عارية تشبه المنساة تصد الماء عما جاورها فهي كالنجد والسد.. والنجف معناه التل وقد روي انها كانت جبلا عظيما وهو الجبل الذي قال ابن نوح فيه: [سآوي الى جبل يعصمني من الماء] ثم انقطع قطعا وصار رملاً دقيقا.. وفي رواية لأصل هذا الاسم تقول كان البحر الذي يحدها من جهة الغرب يسمى (ني) ثم جف بعد ذلك فقيل (ني جف) وسمي اخيرا (نجفا) لأنه أخف على اللسان.
حاضرة الدولة الإسلامية:
شاء الله تعالى للنجف الأشرف ان تكون حاضرة الدولة الإسلامية حينما اتخذها أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عاصمة لخلافته كونها تمثل رقعة جغرافية واستراتيجية تتوسط اقاليم الدولة الممتدة بين دفتيها وزيادة على ذلك كونها تمثل عمقا حضاريا يعكس طريقة التوجه والتفكير للمجتمع الذي تتبناه والذي اعتمده امير المؤمنين (عليه السلام) في نشر مفاهيمه الإسلامية واحياء مناهجه الرسالية وعلى الرغم من ان هذه المفاهيم والمدلولات اخذت مساحة ليست بالقليلة الا انها لم تصل لما كان يصبو اليه (عليه السلام) نتيجة للتحديات والظروف التي المت بالعالم الإسلامي حينذاك، بيد أنها تبلورت مع الأزمان والعصور لتكون دستورا ومنهاجا تستضئ به الأمة الإسلامية من معين هذا الفيض الهادر ومن مفاهيمه ومنهجه القويم.. وامتزج تراب هذه الأرض بنفحات سيد الوصيين لتصبح مثوى لهذا السر الإلهي المبين ولتكون (الأشرف) بهذا الوجود المبارك وبجوار هذه الشخصية العظيمة .. متميزة بذلك عن غيرها من المدن والحواضر والبلدان.
مدينة التأريخ:
ابتدأ تاريخ هذه المدينة المقدسة بالبزوغ منذ سنة 170هـ حيث ظهر القبر الشريف للإمام امير المؤمنين (عليه السلام) للوجود.. لتتمصر النجف ويتسع نطاق العمران فيها وتتوالى عليها عمليات الإعمار شيئا فشيئا حتى اصبحت مدينة عامرة[3].
النجف الأشرف في دائرة التوصيف:
بعد إظهار القبر الشريف سنة (170) هـ بدأت تظهر المباني والعمارات حول المرقد المبارك، وقطن في النجف بعض العلويّين وخاصّتهم من الشيعة، ولم ينقضِ القرن الرابع الهجري حتّى كان فيها من السادة العلوية ألف وسبعمائة عدا أتباعهم وشيعتهم، ويقدّر البعض عدد سكانها آنذاك بستة آلاف نسمة.
ثمّ اهتم بها البويهيون الذين قاموا بأول عمارة للمرقد الشريف اهتماماً ظاهراً، وشيدوا بازائه المساجد والدور وغيرها.
وصفها ابن بطّوطة حينما زارها سنة 727 هـ بأنها من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناء، ولها أسواق حسنة نظيفة.
فأصبحت مدينة النجف من المدن الكبرى في العراق، وهي الآن مركز المحافظة المسماة بـ “محافظة النجف”.
تقع هذه المدينة على بعد حوالي (165) كيلومتراً جنوبيّ العاصمة بغداد، وتعلو سطح البحر بحوالي (70) متراً.
مناخها صحراويّ حار وجافّ صيفاً، بارد وقارص شتاءً.
معدل سقوط الأمطار فيها سنوياً هو 1 ـ 5 قطرة في كل بوصة. وقد تزيد فيها درجة الحرارة صيفاً على الـ (48) درجة مئوية. ولوقوعها في طرف الصحراء تهب عليها رياح السموم.
بالقرب من النجف دارت معركة القادسية في آخر سنة16هـ، وتقع القادسية بين الكوفة والعذيب.
وتبعد الكوفة عن النجف قديماً نحو ستة أميال، لكنّهما الآن أصبحتا متصلتين تقريباً.
وفي النجف نوع من الحجارة يعرف بـ ” دُرّ النجف”، له صفاء وشفافية كأنه الزجاج، يُستعمل للتختّم والتزيّن.
وفي النجف أيضاً قبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، الذي أُخفي خوفاً من الاُمويّين وأشياعهم، والخوارج والنواصب.
وعن أهل النجف يقول ابن بطّوطة: “وأهلها تجار يسافرون في الأقطار، وهم أهل شجاعة وكرم، لا يضام جارهم، صحبتُهم في الأسفار فحمدتْ صحبتهم”. وعلاوة على تعاطي أهلها التجارة، فإنهم يتعاطون العديد من الحِرف: كالنجارة والصياغة وغيرها، وعلى الخصوص نسيج العباءة.
ما اختصت به النجف:
اختصت بقعة النجف المقدسة بفضل الدفن فيها والتختم بحصبائها، وجوار مرقد الإمام عليّ (عليه السّلام) فيها، والمبيت والصلاة عنده، وعلى كل ذلك شواهد جليّة من السُّنّة المأثورة عن أهل بيت العصمة (عليهم السّلام)[4].
النجف كعبة الزائرين والقاصدين:
وقد أمّ ويؤم النجف الأشرف لأهميتها الدينية والدنيوية في عصرنا الحاضر وما قبله الملايين على مدار العام زواراً وسواحاً وطلابا وباحثين حتى لضاقت وتضيق بهم مساحات المدينة المفتوحة في المناسبات الدينية، وإن اتسعت لهم مضايف وبيوت وبرانيات النجف الأشرف المعروفة بالكرم والضيافة، ومن قبلها اتسعت لهم عيون النجفيين وقلوبهم، وقد ورد في دليل المملكة العراقية الرسمي لسنة 1935-1936م أن مدينة النجف الأشرف ” أصبحت كعبة القصاد ومنهل العلماء، وهي اليوم في العراق كالأزهر في مصر يخرج منها في كل سنة عدد كبير من دعاة الدين ورجال الفضل والعلم الغزير وقد دلت الإحصاءات الرسمية على أن متوسط عدد الزائرين للنجف في المواسم المخصوصة يتجاوز نصف مليون نسمة”[5]، وإن كان العدد يفوق ذلك بكثير حسب تقديرات السكان المحليين تلك الآونة، أما اليوم فيصل عدد زوار النجف الأشرف الى الملايين سنويا.
—————————————————————————-
[1] الصحاح،1182.
[2] لسان العرب، ابن منظور: 14/ 56 .
[3] ينظر بتصرف: جعفر مرتضى العامليّ, دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام, 2 / 203 – 218.
[4] ينظر بتصرف: جعفر مرتضى العامليّ, دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام, 2 / 203 – 218.
[5] موسوعة العتبات المقدسة, 6؛ سابق. قسم النجف 1/ 184، نقلاعن: دليل المملكة العراقية لسنة 1935- 1936م.
المصدر: https://www.imamali.net