مقالات

الفاطميون…

لم يعد هناك للشيعة الإسماعيلية الفاطمية في مصر اليوم.
فشيعة مصر اليوم يدينون بالمذهب الإمامي الاثنى عشري السائد في إيران والعراق والخليج والجزيرة العربية ولبنان وباكستان..

أما في سوريا واليمن والهند فتوجد طوائف أخرى من الشيعة مثل العلويين والإسماعيليين في سوريا. والزيدية في اليمن. والاسماعيلية في الهند.
والبهرة موضع حديثا هنا ينتمون إلى طائفة الإسماعيلية.
والاسماعيلية طائفة تنتسب إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق وتعتبر الإمامة في نسله. فمن ثم هي لا تعترف بالإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق الإمام الصادق عند الشيعة الإمامية. وهذا هو جوهر الخلاف بين الإسماعيلية و الإمامية.
تنقسم الشيعة الإسماعيلية إلى طائفتين
المستعلية و هي ما يطلق عليه البهرة..
النزارية و هي ما يطلق عليه الاغاخانية.
أما سبب هذا الاقتسام فيعود إلى عهد المستنصر بالله الفاطمي عام 487 هـ .
حين وقع الخلاف حول تعيين ولي العهد.

نشأة البهرة

كان للمستنصر الفاطمي عدة أو لاد منهم محمد ونزار وعبد الله وإسماعيل وحيدرة وأحمد و كانت الدولة في قبضة بدر الجمالي وزير المستنصر و من بعده ولده الأفضل. و كان بدر ولده على مذهب الإمامية مخالفين بذلك مذهب الدولة والعائلة الفاطمية.
وأراد الأفضل تعيين أحمد الأصغر خليفة للمستنصر بعد وفاته وتصدى له نزار الابن الأكبر للمستنصر. ورفض مبايعة أخاه الأصغر الذي لقب بالمستعلي وفر من وجه الأفضل مخالفة أن يبطش به ولجأ إلى إسكندرية حيث تحالف معه واليها ونظما جيشا غزا الدلتا وتصدى له جيش الأفضل فأوقع جيش نزار به الهزيمة. إلا أن جيش الأفضل استعاد قوته و دخل موقعة فاصلة مع جيش نزار بالقرب من القاهرة وهزم جيش نزار وفر إلى إسكندرية وتحصن بها وحاصرها الأفضل برا وبحرا حوالي العام. ثم استسلمت في النهاية وطلب نزار الأمان فأمنه الأفضل 1.

ويروي المؤرخون أن المستعلي رفض تأمين نزار بعد أن جاءه أسيرا في قبضة الأفضل و حبسه وضيق عليه إلى أن مات 2.

وقيل الحسن الصباح زعيم الفرقة الشهيرة بالحشاشين وهو أحد الدعاة الإسماعيلية البارزين في تلك الفرقة. خطب لنزار وعمل على تكوين فرقة له عرفت وقتها بالنزارية. وأرسل بعض أتباعه لإحضار نزار من مصر إلى فارس حيث مقر دعوته 3.

وقيل أيضا إن نزار فر من الحصار حول الإسكندرية واتجه إلى الصباح في فارس وتزوج ابنته ونص بالإمامة من بعده على ولده منها 3.

و من المعروف تاريخا أن الحسن الصباح كون فرقة انتحارية هدفها تصفية كل معارضي دعوته. و كان من ضحاياه الوزير نظام الملك وزير ألب أرسلان وملك شاه من ملوك السلاجقة. و قد حاو لوا قتل الخليفة الآمر بأحكام الله ابن المستعلي في عام 524 هـ .
ويذكر أن هذه الفرقة الانتحارية أصابت المجتمع السلجوقي بالرعب حيث كانت غارات الفدائيين الإسماعيليين لا تنقطع عن السلاجقة.
وكما تذكر كتب التاريخ فقد كان الحسن الصباح على درجة كبيرة من الفقه و قد دون عقائده في كتب. فهو من ثم الذي أعطى الدفعة الفكرية الأولى لاتجاه النزارية وعمل على نشره في بلاد فارس و ما ورائها. و تمكن من الاستيلاء على بعض القلاع الواقعة على بحر قزوين منها قلعة الموت الحصينة التي اتخذوها مقرا له و لاتباعه. وبدأ يشكل خطورة على السلاجقة الذين كانوا يسيطرون على فارس.
والعباسيين في بغداد 4.

لقد أدى الخلاف حول أحقية الإمامية من بعد المستنصر إلى انقسام فرقة الإسماعيلية و أنتقل هذا الخلاف إلى الهند التي كانت قد وصلتها دعوة الشيع من قبل ظهور الفاطميين عن طريق اليمن. ثم عن طريق البحرين بعد ظهور الفاطميين.
واتجه شيعة الهند القدامي إلى تبني الدعوة المستعلية وأصبح يطلق عليهم اسم البهرة. و هي كأمة تعني بالعربية: تاجر.
و ربما كان سبب ظهور كلمة البهرة وإطلاقها على اتجاه المستعلية يعود سببه إلى العلاقات التجارية التي تربط هؤلاء الهنود الشيعة بمصر واليمن.
من هذا ارتبطت المستعلية بمصر ارتباطا روحيا لكونها تمثل قاعدة الفاطميين وبها مراقد أئمتهم وآثارهم. بينما أخذت النزارية طابعا إقليميا وحصرت نفسها في محيط الهند و لم تعد ترتبط بمصر ذلك الارتباط الروحي الذي يوجب عليها الهجرة إليها كما هاجرت فرقة المستعلية. 5 و قد انقسمت المستعلية في الهند إلى طائفتين: داودية. وسليمانية. نسبة إلى أسماء اثنين من كبار دعاتهم. والذين يأتون إلى مصر ينتسبون إلى داودية 6.

ويحتفظ البهرة في الهند بكثير من الكتب الفاطمية التي نقلت إليها من اليمن  مصر خاصة بعد سقوط الدولة الفاطمية و ما لحق بتراث الفاطميين من تدمير وإحراق على يد صلاح الدين. و من بين هذا الكتب السجلات المستنصرية ودعائم الإسلام للقاضي النعمان وهو كتاب الفقه الأساس عند طائفة البهرة وفد تم طبع كلا الكتابين في مصر 7.

العودة إلى مصر

هناك إشارات تاريخية تؤكد أن كثير من الشيعة المصريين الذين فروا من وجه صلاح الدين اتجهوا إلى الهند وأقاموا فيها. مما يومئ إلى أن من هؤلاء البهرة من تمتد أصوله إلى مصر واليمن وبقاع عربية أخرى.
والظاهر أن البهرة إلى مصر بدأت في أواخر السبعينات في عهد السادات و بدأت في الازدياد في فترة الثمانينات.
و قد اتجه البهرة فور وصولهم إلى مصر إلى القاهرة الفاطمية وأقاموا فيها وبدأوا رحلة البحث عن مراقد وآثار الأئمة الفاطميين والعمل على بعثها وتجديدها.
و كان من أشهر الآثار الفاطمية التي قام البهرة بتجديدها في مصر مسجد الحاكم بأمر الله المسمى بالجامع الأنور الملاصق لسور القاهرة من الجهة الشمالية بجوار بوابة الفتوح وهو من أضخم مساجد القاهرة و قد استخدمه الصلاح الدين و من بعده ملوك الأيوبيين بعد أن تم إغلاق الجامع الأزهر.
و لا تقتصر مهمة البهرة في مصر على آثار الفاطميين وحدهم بل امتدت لتشمل مراقد آل البيت في مصر. فقاموا بتجديد مرقد السيدة زينب بالقاهرة ومقصورتها كما جددوا مقصورة رأس الحسين. وجددوا قبر مالك الأشتر الذي دفن إلى جواره مؤخرا شقيق شيخ البهرة.
يقول الأستاذ محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية: البهرة أي كبار التجار ويقو لون إنهم أحفاد الفاطميين. هاجروا في الحكم الأيوبي وتنقلوا في البلاد حتى استقروا بالهند. وهم معتدلون في الغالب. وهم الذين جددوا جامع الحاكم بعد اندثاره. ووهبوا لمشهد الحسين والسيدة زينب ضرائح الذهب والفضة فهم غير الاغاخانية. و كان الأزهر قد أهدى سلطانهم الدكتوراه الفخرية. فهم مسلمون 8.

ويلاحظ أن طائفة البهرة يقيمون شعائرهم علنا في مسجد الحاكم بأمر الله و يبدو من ظاهرة التمسك بالسنن والهيئات الإسلامية. كما يلاحظ عليهم الانضباط والنظام فهم يسيرون جماعات بشوارع القاهرة ويمسكون بالمصاحف في أيديهم ونسوتهم محجبات و قد اعتاد رؤيتهم رجل الشارع في مصر.
وهم لم يكتفوا بمجرد الإقامة في مصر وبجوار القاهرة القديمة بل اتجهوا إلى إقامة المشاريع التجارية وبعضهم اشتروا بيوتا ومحلات تجارية في الشارع القديم الذي يشق قلب القاهرة القديمة والمسمى بشارع المعز لدين الله الفاطمي.
ويتوافد البهرة الفاطميين على مصر يزداد التواجد الشيعي برزوا فيها بعد أن كان قد اختفى منها طيلة ثمانية قرون.

شبهات حول البهرة

هناك كثيرا من الشبهات أثيرت من حول البهرة في الفترة الأخيرة ضمن حملة قادتها بعض الأطراف المعادية للشيعة 9.

و من هذه الشبهات ما يثار حول دور البهرة في مصر والأهداف التي جاءوا لتحقيقها فيها. و ما يثار حول عقائدهم وحقيقة مذهبهم. و ما يثار حول تعديهم على الآثار.
ومثل هذه الشبهات إنما كانت لها أبعادها السياسية خاصة في فترة الحرب العراقية الايرانية حين كانت الحرب على أشدها على الشيعة وإيران.
و قد حاول البعض إثارة الحكومة على البهرة وطردهم من مصر. إلا أن الحكومة على ما يبدو راضية عليهم ومطمئنة إلى وجودهم بمصر. و لم تظهر أية بوادر من البهرة تستفز الحكومة أو تثير جهاز الأمن عليهم. وكلا الطرفين يتعامل مع الآخر وفق حدود مرسومة.
أما بخصوص معتقداتهم فهم يدينون بالمذهب الإسماعيلي كما ذكرنا ويمثلون الجانب المعتدل منه. وهم في عبادتهم وشعائرهم لا يختلفون عن الإمامية في شئ.
إلا أنهم يختلفون مع الشيعة الإمامية في قضية الإمامة. وهم يعترفون بستة من الأئمة الاثنى عشر فقط من الإمام علي حتى جعفر الصادق. ويأخذون بقية أئمتهم من سلالة إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق الذي تو في في حياته. و لاجل ذلك سميت الطائفة بالشيعة الإسماعيلية تمييزا لها عن الشيعة الإمامية التي تعتقد بوصية الإمام جعفر لإبنه موسى الكاظم الإمام السابع الذي لا تعترف به الإسماعيلية كما ذكرنا 10.

وطائفة البهرة في مصر ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحكومة. وإمام الطائفة كان على علاقة بالسادات وحسني مبارك اليوم. كما أن لهم علاقات وثيقة بوزارة الأوقاف و قد تبرعوا لها بملايين الدو لارات 1112.

  • 1. أنظر النجوم الزاهرة وخطط المقريزي وشذرات الذهب واتعاظ الحنفا والكامل.
  • 2. أنظر المراجع السابقة. والمستنصر للدكتور عبد المنعم الماجد.
  • 3. a. b. أنظر المراجع السابقة.
  • 4. أنظر ترجمة الحسن الصباح في وفيات الأعيان والبداية والنهاية وكتب الفرق.
  • 5. أنظر المستنصر ومقدمة كتاب دعائم الإسلام المطبوع في مصر تحقيق آصفي بن علي أصغر فيضي. و قد تعاون مع أصغر في هذا الكتاب كثير من المفكرين والأساتذة في مقدمتهم الدكتور طه حسين وهو الذي زكى الكتاب لدى دار المعارف. وعمل فهارس هذا الكتاب محمد فؤاد عبد الباقي و من عجائب القدر أن باحثا هنديا (أصغر) يعيد إلى مصر كتابا من أقدم كتبها فقد منها واحتفظ به بأمانة في بلاد بعيدة عنها و هي بلاد الهند.
  • 6. البهرة الداودية هم الأغلبية. انظر مقدمة دعائم الإسلام.
  • 7. أنظر المستنصر ودعائم الإسلام.
  • 8. أنظر أهل القبلة كلهم موحدون للأستاذ محمد زكي إبراهيم. من المطبوعات العشيرة المحمدية.
  • 9. قادت هذه الحملة صحيفة الأحرار التي تصدر عن حزب الأحرار في مصر.
  • 10. أنظر كتاب الفرق. وتاريخا لشيعة.
  • 11. أهدى الأزهر الدكتوراه الفخرية لسلطان البهرة.
  • 12. الشیعة في مصر للكاتب المصري صالح الورداني.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى