مقالات

السيِّئين…

وجود السيِّئين في هذا العالم جزءٌ من القضاء الذي يلزم أن يرضى به المؤمنُ، كما إنَّ إساءاتهم جزءٌ مهمٌّ من الابتلاءات التي لا بُدَّ منها لمن ارتبط بهم.. فكثيرٌ من الآباء والأمَّهات يُبتلَون ببعض الأبناء أو البنات، وكثيرٌ من الأبناء يبتلون بآبائهم أو أمَّهاتهم.. وكثيرٌ من الأساتذة يبتلون ببعض تلاميذهم، وهكذا يُبتلى التلاميذ ببعض أساتذتهم.. وهكذا في علاقة الإخوة بعضهم ببعض، وعلاقة الزوجين فيما بينهما، وعلاقة المدير بالموظَّف، وعلاقة الزميل بزميله في موقع العمل.. وغير ذلك من صور العلاقات والروابط الاجتماعية التي تمثِّل مجالاً يمكن أن يواجه فيه الإنسانُ شخصاً سيِّئاً يؤذيه بقولٍ أو فعلٍ.
ولأنَّ وجود الارتباط هو الذي يساعد على توصيل الإساءة، فقد نتصوَّر أنَّ فعل الخير هو السبب في ردَّة الفعل السيِّئة، وليس الأمر كذلك.. فالسيِّئ يفرز ما بداخله من مكنون سيِّئ ـ في قولٍ أو فعلٍ ـ بغضِّ النظر عن الإساءة والإحسان إليه، ولكنَّه يكون جريئاً على الخيِّر عادةً؛ لأنه لا يتوقع منه ردَّة فعلٍ سيِّئة يمكن أن تضرَّه، فيتجرَّأ على أهل الخير. ولا يتجرَّأ على السيِّئين؛ لأنَّه يتوقَّع منهم ردَّةَ فعلٍ سيِّئة يمكن أن تُصيبه بأذًى.
وعلى أيَّة حالٍ؛ من المهمِّ أن يفهم أهلُ الخير والإحسان أنَّ ردَّات الفعل السيِّئة ليست قانوناً عامًّا يتحتَّم أن يتحقَّق.. فهناك الكثير من التلاميذ الأخيار الذين يحملون مشاعر التقدير والامتنان لأستاذهم، ولكنَّ كثيراً منهم لا يُعبِّر عن ذلك، بل يمرُّ بصمتٍ، بينما يعلو الصوت السيِّئ بشكل قبيح ويملأ الأجواء مع أنه حالة استثنائية شاذة من إجمالي التلاميذ الذين يغلب عليهم حسُّ التقدير والامتنان. وقد يحلو للسيِّئين أن يُضخِّموا هذا الصوت الشاذَّ لإيذاء المحسن نفسيًّا.. فعلى المحسن أن يكون يقظاً حكيماً في تقدير حجم الأصوات كما هي في الواقع، لا كما يريد السيِّئون لها من حجم وهميٍّ مُضخَّم لا علاقة له بالواقع.
ثمَّ إنَّ السيِّئين على درجات متفاوتة من السوء، فمنهم من يتَّصف بالخبث الشديد، والمكر الخطير.. ومنهم من يتَّصف بدرجة متوسِّطة من السوء، ومنهم من يتَّصف بدرجة ضعيفة من السوء ولا يكاد يؤذي إلَّا نفسه.. وفي كلِّ درجة من السوء والإساءة هناك مُقتضًى للحكمة؛ فهناك درجات من السوء والإساءة تتطلَّب اتِّخاذَ احتياطاتٍ كبيرة ودرجاتِ ضغطٍ صارمة، بينما هناك درجات من السوء والإساءة قد لا تتطلَّب أكثر من التجاهُل مع الاحتفاظ بمسافة آمنة في الارتباط والتواصل.
نسأل الله أن يجعلنا من الأخيار الناجحين في اختبار التعامل مع كلِّ أصناف السيِّئين.
والله وليُّ التوفيق.

✍️ زكريا بركات

https://t.me/zakariabarakatt

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى